قبل ايام، كنت في جلسة مسائية مع صديق تمتد علاقتي به لأكثر من أربعة عقود، صديقي هذا غير منشغل مثلي بالثقافة والأدب والفن، لكنه متذوق لكل شيء جميل، قال لي: لماذا يجد الكاتب نفسه فوق الجميع، وينظر الى العامّة من علو وكأنه قد اكتشف البنسلين؟!.. أجبته أن الكاتب حاله حال عامة الناس، لا فرق بينه وبين الآخرين.. لم ترقه إجابتي، رمقني بنظرة عفوية قائلاً: مذ عرفتك لا تعطي بزملائك! أنت لا تراهم لأنهم معك، بينما نحن نرصد كل تصرفاتهم ونعرف جيداً كيف ينظرون للآخرين..
استوقفتني كلماته كثيراً، فالنرجسية كما جاء في التعريف هي (حالة مرَضية تؤثر على الصحة العقلية للمريض الذي ينتابه حينها شعور مبالغ فيه بأهميته. ويحتاج إلى الاهتمام والإطراء من الآخرين بشكل زائد ويسعى إلى ذلك. قد يفتقر الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب إلى القدرة على فهم مشاعر الآخرين أو الاهتمام بها).. نعم، هناك من يحتاج الى الإطراء الدائم به وبمنجزه، وما ان تنتقد جملة وردت في نصّه حتى تضرب طبول الحرب عنده، ويتهمك بعدم الفهم، لا بل أن هناك من يضع أوصاف كثيرة أمام إسمه مثل (شاعر الكون) و( شاعر الإحساس والمشاعر!) ومن هذا كثير.
أرى أن الأديب لكي يكون أديباً لابد أن تكون علاقته مع الجمهور، علاقة طبيعية، لا أن ينظر لهم من فوق، وأن يرى نفسه الأول في كل شيء، فهو لا قدرة له الا التلاعب بالكلمات. صحيح أنه يمارس، في حالات استثنائية، طقوساً خاصة بالكتابة، لكن هذا لا يعزله عن الناس، وهم جمهوره، ولا يعطيه الحق في أن يكون الأفضل، واذا ما قلّبنا سجل الأدباء الكبار فأننا سنجدهم متواضعين الى درجة أنك لا تفرّقهم عن الناس البسطاء، ولا تظنّهم هم من كتبوا تلك الملاحم الكبيرة.
التواضع يجعلك قريبا من محيطك ولا يعزلك عنه.