.أخذ مكانه بين الحضور فقد كان من جملة المدعوين لحفل تسليم الجوائز للتلاميذ الذي تفوقوا في المرحلة الاعدادية..
إنه الشيخ عبد الله الرجل الذي كان قد استهل العقد السادس من عمره والذي اكتسب شعبيه واسعة في إقليمه حيث كان يلقي دروسا بمساجده…
عدل من جلسته وهو يرمقها من طرف خفي حين اعتلت المنصة لتستلم جائزه تفوقها الدراسية حيث أنها حصلت على أعلى معدل في الصف الثالث الاعدادي على مستوى الإقليم…شعرها المنسدل على كتفيها وثوبها الأبيض الذي يكسوها من مقدمة رأسها إلى أخمص قدميها وكأنها عروس ليلة زفافها أثارت انتباه الشيخ فتركزت عليها كل اهتماماته…مال جهة تابعه المقرب وسأله عن الفتاه فهم التابع بعدها أن الشيخ عازم على خطبتها من والدها فقد كان معروفا عليه أنه رجل مزواج يستبدل في كل مرة الواحدة بالأخرى أكثر جمالا وشبابا….
انتهى الحفل وانفض الجمع….
في ذلك اليوم وبعد صلاة المغرب توصل الشيخ عبد الله بكل المعلومات حول زينب تلك التي ألهبت كل غرائزه وسلبت لبه….
علم الشيخ من تابعه أنها ابنة الفلاح البسيط”عمي علي” الذي كان يتردد على المسجد لآداء الصلوات الخمس وأنه في حكم أتباعه الكثيرين فاستبشر خيرا…
…..كانت زينب كبرى شقيقاتها الخمس إذ لم يكن والدها قد رزق بالصبي …كان يعمل بجد في حقله ويعيل أسرته الصغيرة ليوفر لبناته كلما تحتجن إليه…كان حلم زينب أن تلتحق بالمدينة لتكمل دراستها الثانويه بعدها الجامعية وتحصل على وظيفة غايتها في ذلك أن تخرج عائلتها من الفقر.
… الظلام لا يزال يرخي سدوله على الحي والطقس بارد جدا…دلف الشيخ عبد الله بخطى حثيثة السكون يملأ المكان كله
كل أبواب المنازل موصدة والشبابيك تغرق في صمت شاحب لشحوب السماء الخالية هذه الليلة من بصيص نجم ومن وهج قمر…التقت نظراتهما فرحب عمي علي بالشيخ ودعاه للمنزل لكن هذا الأخير ربت على كتفه نرجعها الى مرة لاحقة وأردف قائلا: سأختصر عليك تخمين مجيئي إليك على غير العاده…أريد كريمتك للزواج …متى نحتسي فنجان الشاي عندك…هي مناسبة كي أراها عن قرب….!!
لم يصدق عمي علي ما سمع تهللت أساريره…: مرحبا مرحبا لك ما أردت يا شيخنا الجليل…
مضى عمي علي مستبشرا إلى زوجته خديجة يزف إليها بشرى إعتزام الشيخ عبد الله خطبة بنتهما البكر….
مضى عمي علي مستبشرا إلى زوجته خديجة يزف إليها بشرى إعتزام الشيخ عبد الله خطبة بنتهما البكر. ولكنه فوجئ بها وهي تبدي معارضتها قائلة:
إن للشيخ ثلاث نساء وإنه رجل مزواج…ثم إن زينب لا ترغب في الزواج الآن بل تريد إتمام مسارها الدراسي …زد على ذلك فارق السن كبير بينهما…فزينب بالكاد أتمت الخامسه عشر ربيعا بينما الشيخ يحمل على كاهله ستين حولا….
أخذ عمي علي يضرب كفا بكف ويحوقل: ولكن يا إمرأة لقد أعطيت الشيخ كلمة…لا …لا….لا يمكنني ذلك…وبدأ يصرخ بفناء البيت حتى استيقظت زينب على صوته…لبست لحافها الأسود وانتعلت حذائها ا الممزق وخرجت قاصدة الفناء وجدته يجوب الساحة اقترب منها…وبدأ يحدق بملامحها البريئة ذات القسمات الطفولية….
عبثا يستجمع الكلمات كي يجعل الخبر بطعم البشرى وبنكهة الفرح …أشار إليها أن تجلس على الدفة المقابلة وقال مخاطبا….:
زينب يا ابنتي…لقد طلبك الشيخ عبد الله للزواج فما رأيك؟!
….امتقع لونها وسرت في جسدها قشعريرة. التفت ساقاها الباردتان فجأة تسمرت مكانها من هول الصدمة وسط الفناء كصنم تحاول ان تنصت قليلا للصمت والفراغ بداخلها . هرولت إلى الداخل وهي تردد على مسامع والدها بأن ما يعرضه عليها ضرب من الجنون…
صار عمي علي في موقف حرج إزاء شيخه عبد الله ولكنه لم يجد من خيار آخر غير إبلاغ الشيخ عن طريق تابعه الأقرب بأن ابنته زينب رفضت فكرة الزواج وأنها تريد إتمام دراستها….
في تلك الليلة الليلاء من ليالي فبراير الباردة حيث الريح العاوية تصك آذان النوافذ والأبواب فتئن البراغي وتتململ المتارس ..بعد صلاة العشاء جمع الشيخ عبد الله أتباعه الذين يعتمد عليهم في إنجاز المهام الصعبه, لم يكن له أن يقبل بسهولة أن يرفض له طلب وخاصة من ابنة فلاح بسيط…
انفض الإجتماع بزيادة الضغط على عمي علي حتى يرضخ لطلب الشيخ وتلين ابنته رغما عنها وقد وسوس له أحد أتباعه أن يحرق محصوله الزراعي.
كان الضغط الذي يتعرض له عمي علي من زبانية الشيخ ينعكس على زوجته وعبرها على زينب…بعد أيام لم تعد هذه الأخيرة تستطيع تحمل كل هذا التوتر الذي يخيم على المنزل
فكرت مليا في الأمر..
.
….وعن بكرة أبيها اتجهت زينب قاصدة منزل صديقتها أمل -كانت أمل طالبة بكلية الحقوق – طرقت الباب طرقا خفيفا فجاءها صوت من الداخل : أنا آتية ..فتح الباب فارتمت زينب على أمل وشرعت في البكاء حتى جفت مقلتاها…احتضنتها أمل وأدخلتها غرفتها بعدما أخبرت والدتها بمجيئها وطلبت منها ألا يزعجهما أحد…
لا تريد أن تتذكر التفاصيل لكن ملامح وجهها تشي بمأساتها…سألتها أمل أولا عن حالها وحال أسرتها فانفجرت باكية وعرضت عليها مأساتها والضغوط التي تتعرض لها هي وأسرتها من قبل الشيخ…
…..فوجئت أمل بالخبر تململت في جلستها…اعتصرها الألم فحوقلت في سرها بعدها أردفت قائلة: أعلني قبولك الزواج من الشيخ لكن وفق شرط أساسي أن يكون الزواج موثقا من قبل عدلين وأن يكون ممهورا بموافقة قاضي الأسرة..
علمت زينب من صديقتها أمل أن القانون منذ العام 2003لم يعد يسمح بتعدد الزوجات إلا بعد إخطار الزوجة الأولى بيد أن للشيخ عبد الله ثلاث نساء ويريد أن يتخذ زينب زوجة رابعة…رأت أمل أن طرح ذلك الشرط ربما يثني الشيخ عما يريد ويكبح جماح نزوته تلك!!
رفعت زينب رأسها نحو السماء مغالبة الغصة التي تأخذ بخناقها والدموع التي توشك أن تهطل أمطارا وطوفانا من مقلتيها وأبلغت والدها بالخبر وأبدت رغبتها في مقابلة الشيخ بمنزل الأسرة …ومن فوره أسرع عمي علي إلى المسجد ونقل البشارة إلى الشيخ عبد الله…
حورية
حورية اقريمع
سمعت زينب آذان الفجر يتصاعد رويدا رويدا تملكها العجب حين أدركت أنها لم تغف طوال الليل…وكيف لمثلها أن تغفو وهي على موعد مع قدرها المحتوم !
تزينت وتعطرت وتعمدت أن ترتدي ما يشي بملامح من مفاتنها…وبعد صلاة الظهر جاء الشيخ عبد الله وأحد أتباعه يحمل في يديه ديكين سمينين وقفة من الخضر والفواكه ناولها لزوجة عمي علي ودلف إلى غرفة الضيوف…
هم الشيخ بالسلام على زينب لكنها تحاشته واتخذت مكانا لها في زاوية مقابلة له
هم الشيخ بالسلام على زينب لكنها تحاشته واتخذت مكانا لها في زاوية مقابلة له….
ساد الغرفة صمت رهيب قبل أن ينطق الشيخ باشرت زينب الحديث إليه مخبرة إياه أنها توافق على طلبه لكن بشروط, وسردت عليه شروطها ومع أنه فطن إلى أن الفتاة على اطلاع بما يلزم القيام به ومع أن ذلك باغته فإنه رد بأن الأمر ممكن التحقيق ثم حاول أن ينتقل إلى تحديد الصداق ولكنها تصدت له وقالت أن قيمة الصداق هي آخر ما يشغل بالها..أردفت أن عليه أن يأتي بإذن قاضي الأسرة بعد أن يبلغ زوجاته الثلاث بنية الزواج من الرابعة..
….وقتها فقط باح الشيخ بما لم يكن في الحسبان…وهو أن الشيخ الذي يطلب الكثيرين بركاته. لم يوثق سوى زواجه الأول بيد أنه كان يتزوج الأخريات زواجا عرفيا يشهد عليه اثنين من أتباعه…
فاجأ زينب بأنه يريد الزواج منها بتلك الكيفية وأنه على استعداد لقراءة الفاتحة عليها…حاول الشيخ أن يقنعها بالأمر ولكنه لم يفلح إذ واجهته بأن ما يريده من وجهة نظر القانون ضرب من الفساد لا يضمن حقوقا للزوجة في حالة الوفاة أو عند الطلاق…زد على ذلك أنه لا يؤمن حقوقا للأبناء الذين يولدون في إطار ذلك الزواج.
أحس الشيخ عبد الله بأنه قد أهين …نهض مسرعا مزمجرا والغضب باد على محياه وبينما هو مغادر أقسم بينه وبين نفسه أن يجعلها تركع له !!
اعتملت الأفكار وتناسلت في رأس زينب..تلك الأفكار التي كلما قطعت لها رأسا نبتت لها رؤوس جديدة كما التنين….كانت تعلم أن رجال الشيخ يمارسون أشد أنواع الضغط على والدها وقد هددوه أن يحرقوا له المنزل والمحصول…لمن المشتكى….يااالله…فوالدها لا يمكن أن يكون ذاك السند الذي تحلم به كل فتاة ليحميها حين تشتد العواصف ويقوى الخطر
هي تعلم علم اليقين أن والدها لا يملك من الوسائل ما يتيح له الوقوف في وجه الشيخ والدخول في حرب معه. فهو فلاح بسيط….
بعد أيام وفي غياب زينب قرأ والدها والشيخ عبد الله الفاتحة واضعا بذلك ابنته في موقف لا تحسد عليه وقبض المهر وتحدد موعد الزفاف…
تحول عمي علي الزوج الطيب والأب الحنون إلى وحش كاسر كانت نظراته غاضبة وكان كلامه غاضبا لعله سعى في ذلك أن يظهر بمظهر رب الأسرة المتحكم في كل شؤون أسرته والذي لا يجرؤ أحد على معارضته…
في الحقيقة كان رجال الشيخ يعيرونه بعد أن رفضت ابنته الزواج من الشيخ بأنه رجل لا شخصية له تتحكم فيه زوجته وبنته. وها هو يظهر العكس لهم ويبدو في قمة التجاوب مع مشيئة الشيخ عبد الله….
….كذلك سيقت زينب وهي في حالة ذهول وتوتر إلى الشيخ بعد أن ألبست قفطانا بهيجا….أقيمت سرادقات العزاء في أحشائها ودعت أمها بعينين دامعتين….
في بيت الشيخ الليل فارغ فاه يلتهم ذبالات المصابيح المشتتة هنا وهناك…الزمهرير يقتلع أغصان الشجر ويخلع عن الزنابق قلبها…أخرج الفراغ أنيابه لاهثا والريح العابثة تئن في أضلعها وهي تراقب الشيخ وقد انتهى من صلاته…نهض مسرعا يريد الإمساك بها ولكنها كانت تتهرب منه وكأنها تصارع ماردا يحاول كتم أنفاسها…ازدادت توترا لما رأته ينزع ثيابه…ولما ضجر من تهربها أخذ حبلا كان يضعه تحت السرير أراد تكبيلها صدته…اتخذ من الحبل سوطا وصار يضربها في أجزاء من جسدها الغض وهي تتوسل إليه التصقت بالجدار لتحتمي به وصراخها يملأ المكان كله…سقطت أرضا حاول أن يكبلها لكنها أسقطته على السجاد وفي تلك اللحظة وهو يحاول النهوض وبطريقة ما لفت الحبل حول رقبته وضغطت بشدة حتى جحظت عيناه وبرزت أوداجه ثم خارت قواه وسقط أرضا…
فتحت الباب وخرجت تجر خلفها جثته وابتسامة انتقام تعلو شفتيها…..