في مكان يحبس فيه الأنفاس ، مكان مظلم غريب مقرف ، لا يقدر أي بني آدم مكوته ، كنت طريحة الأرض، شبه غائبة عن الوعي، جسمي يلاصق أرضية المكان، ضاقت أنفاسي أكثر ،حاولت الاسترخاء لكن لا مجال للراحة ولا للأمان… ما إن فتحت عيناي حتى أدركت أين أنا … للحظة، تمنيت أن أكون قد فارقت الحياة، وأن أكون الآن في قبري تاركة هموم الحياة ورائي، لكن خيب أملي ككل مرة، فالحقيقة أنني إن بقيت ليوم آخر هنا سأفارقها لا شك في ذلك، إما بسبب القرف الذي يعم المكان أو من الجوع والعطش، كدت أن أغيب مرة أخرى، لو لا أن سمعت شبه أصوات تجاه الباب ،لم أعد أعتقد أن منقدا ما قد أتى لأنني فقدت الأمل في كل شيء … إنها أمي حبيبتي سبب عيشي، تأتي مرة في اليوم لتطمئن عني نبرة صوتها تؤكد لي أنها هي الاخرى مدمرة من حالتي هذه، تمنت لو أنها كانت مكاني أوأنها ملكت المفتاح لتخرجني لكن ما من شيء تحقق … ” مزيدا من الصبر بنيتي … مزيدا من الصبر … ” بكيت بكاء محرقا على حالتنا التي لا يرثى لها، فما عسانا نفعل غير الصبر والانتظار؛ نعم انتظار مصير هذا الأمر، أنا الآن في قبو بيتنا بعد أن سجنني أبي فيه، ليتني ارتكبت جرما لأستحق ما أنا عليه، لكن لم أفعل شيء … لازلت أتذكر قبل أيام من الآن، بينما كنت على عجلة لألتحق بصديقاتي للذهاب إلى المدرسة، حين استوقفني أبي على الباب، يرمقني بنظرات تشع غضبا، نعم إنه غاضب مني ومن والدتي على أبسط الأمور، لسبب ما يكرهني هذا ما أشعر به، أخد مني محفظتي بقوة وألقاها على الأرض، قائلا لي أنه لا مكان لي في المدرسة من اليوم مكاني في بيت زوجي … كلمات نزلت كالصاعقة على رأسي في تلك اللحظة رأيت أحلامي تنزف أمامي، مدرستي تبتعد بعيدا عني ،رأيت مستقبلا مظلما ومجهولا … فجأة ظهر بجانبه رجلا بعمره تقريبا، لم أستوعب الصدمة الأولى، حتى جائتني التانية وهي هذا الرجل الذي عرفنا لاحقا أنه أتى لرؤيتي، مستحيل فهو يكبرني كثيرا ،مهلا هل هذا حلم؟ إن كان كذلك فأيقظوني منه ،سأجن سأفقد عقلي ما الذي يحدث ؟ بعد أن غادر الغريب وعد أبي على أن يعود بعد شهر ليتم أمري ،لم أستوعب كل ما حدث ،ولم أتحكم بنفسي، صرخت لأول مرة في وجه أبي بكل ما أوتيت من قوة ،غضبت رافضة ما يحدث … جاءني الرد سريعا حيت لطمني، جرني على الأرض وآخر ما سمعته أنه هدد والدتي بحرماني من الأكل والشراب، تم ألقاني في القبو كأنه ألقى كيس قمامة … كدت أن أن أغفو مرة أخرى، قبل أن أسمع أصوات تجاه الباب اعتقدت أنها والدتي لكن هذه المرة كان أبي وكان آخر ما رأيته بعد أن فقدت وعيي وجه أمي …
حل الصباح، وولدت شمسه من جديد، إلا صباحي أنا، لم يحل ظننت أن ما حل بي الى الآن مجرد حلم حتى رأيت وجه والدتي الذي لم يعد يتبين من الضرب، كنت أدري ثمن كل مرة تأتي فيه إلي الى القبو لتطمئن علي، إنها الأم قادرة على تحمل كل شيء لأجل أبنائها ،اهتمت بي حتى عاد لون الحياة لوجهي ،لكنه سرعة ما غاب مرة أخرى بعد أن أخبرنا أبي أن العرس بعد يومان ،هذا ليس عرسا كما يدعي بل جنازة ! ها قد حان الوقت ارتديت الأبيض كأي عروس لكن الفرق بيني وبينهن أنني أراه كفنا لا فستانا، لحظة الوداع حضنت أمي بكل قوة دار بيننا حديث طويل وعميق لكن في صمت، فحديث الأعين هو الأصدق دائما ، ثم نظرت لأبي الذي لم أراه سعيدا كهدا اليوم ، كأنه تخلص من عبئ وصار أخف، وأنا هو داك العبئ نظرت إلى عينيه وبداخلي بحر من الأسئلة لو دخلها لغرق ، لماذا يا أبي تراني هما تريد الخلاص منه ؟ أأحزنتك من قبل ؟ لماذا كل هذا الحقد والغضب تجاهي أنا وأمي ؟ ترى هل أستحق كل ما فعلته لي ؟ تساءلت دوما لو كان لك ذكرا مكاني هل كنت عاملته هكذا ؟ هل كنت ستعنفه وتحرمه من الدراسة وتزوجه ؟ هل فقط لأنني أنثى أستحق هذا ؟ ها أنا أغادر إلى بيت غريب قد يكون أسوأ وأقسى منك لماذا ؟ فقط لأنني أنثى…!