…مضى على غياب زوجها عنها سنة كاملة، حي ث كان مسافرا خارج البلد لدواعي العمل، أحست منذ شهرين فقط بانقطاع الدورة الشهرية عندها… قررت مراجعة طبيبة الأسرة، أخذت موعدا معها وكان ذلك يوم الثلاثاء على الساعة الرابعة عصرا.
سألتها حماتها: إلى أين أنت ذاهبة يا منال؟
أجابتها: الحقيقة يا خالة لقد انقطعت دورتي الشهرية منذ شهرين تقريبا… ولا أعلم ما السبب لذا قررت مراجعة الطبيبة “مياسة”
رمقتها حماتها بنظرة غريبة، وأردفت قائلة: ماذا؟؟؟؟ ماذا تقولين يا منال؟ … سأرافقك إذن …
-لا داعي لذلك يا خالة …
– لا تعترضي سبيلي سنذهب أنا وأنت إلى الطبيبة يا ابنتي…
– حسنا… انتظري قليلا حتى أحكم شد خماري حول عنقي..
– هيا، هيا لقد تأخرنا الساعة تشير إلى الثالثة والنصف
استقلتا سيارة أجرة وذهبتا وأثناء ذلك لم تتوقف الحاجة “أم أحمد” عن الدعاء وأن تمر الأمور على ما يرام
دخلتا إلى العيادة… همست أم أحمد في أذن الطبيبة وقالت لها: قبل الكشف عن حالة منال أريد أن تجري لها تحاليل الحمل..
قالت الطبيبة: استغفري الله يا حاجة، ما هذا الذي تقولين وأحمد مسافر منذ ما يربو عن السنة..
قالت الحاجة أم أحمد: أريد أن يطمئن قلبي و أقطع الشك باليقين يا ابنتي…
و بعد التحاليل تبين أن منال ليست حاملا… بدأ بطنها ينتفخ يوما بعد يوم… الكل بدأ يشك في أمرها… راجعت الطبيبة للمرة الثانية،لكن، جميع التحاليل التي قامت بها تؤكد العكس أنها غير حامل..
رجعت إلى البيت و عيون زوجات أصهارها ترمقها بنظرات شزراء.. دخلت لغرفتها واستلقت على سريرها … غطت في نوم عميق… كان الوقت متأخرا، عندما سمعت همهمة في البيت، لبست عباءتها ووضعت خمارها حول عنقها وفتحت باب غرفتها…
دهشت لرؤيته.. آه إنه أحمد عاد من سفره الطويل فرحت بقدومه احتضنته وبادرته قائلة حمدا لله على سلامتك يا أحمد… لم تخبرنا أنك قادم كنا استقبلناك في المطار… ظل صامتا واجما كان فقط ينظر إلى بطنها المنتفخ وعلامات الاستنكار بادية على وجهه…دخل إلى غرفته متأففا وأسئلة كثيرة تراوده… فجأة صاح بها: ما كنت أتوقع أن تخوني العشرة يا منال… آهكذا تفعلين بي يا بنت عبد العال… لقد لطختي شرفي وسمعتي…
-اسمعني فقط يا أحمد … حاول أن تفهمني…
-أقفلي فمك يا بنت ال… ماذا ستقولين… و بماذا ستتحججين بعد الذي صار…
– أجابته قائلة : و لكن لم يحدث شيء يا أحمد
– لا أريد أن اسمع شيئا بعد الآن…
دفعها بشدة مخاطبا إياها: ضبي أغراضك وعودي إلى بيت والديك… لا أريد أن أراك ثانية يا منال… لا أريد
كانت أمه “الحاجة عائشة”قد سمعت كل ما دار بينهما وقالت له بصوت مرتفع: ولكن الوقت متأخر يا أحمد الساعة تشير إلى الثانية ليلا… ما هذا الهراء الذي تهذي به… منال لن تذهب إلى أي مكان…
أجابها غاضبا: لا تتدخلي يا ” أم أحمد” لقد لطخت سمعتي و مرغت كرامتي في التراب و تريدينني أن أتريث… لا.. لا لن أفعل…
انتظر يا ولدي حتى الصباح أرجوك… بعدها تذهبا أنتما الاثنين عند طبيب آخر ليكشف عليها… أنا لا أرى عليها أي علامات للحمل ‘استهدي بالله’
هنا تدخلت أخته وقالت له: أخرجها من هنا يا أحمد.. لا نريد فضائح… ما هذا الذي تقوليه يا أمي أتريدين أن تبقى هنا حتى تلد جيفتها تلك… لقيطة أنت يا منال…
كل هذا ومنال واجمة في مكانها لا تحرك ساكنا غارقة في دموعها …. جرها من ثوبها ورماها أرضا حتى ارتطم وجهها بحافة السرير وهو يرغد ويزبد…اغربي عن وجهي يا زانية….. أنت طالق….
إلى الآن لا تتذكر كيف استقلت سيارة الأجرة حتى وجدت نفسها أمام منزل والديها….
سمع طرق خفيف على الباب اتجهت الحاجة فاطمة نحو الباب وهي تردد: يا فتاح يا رزاق من سيزورنا بهذا الوقت المتأخر من الليل … ناداها يوسف: انتظري يا أماه سأفتح الباب أنا عودي للداخل…. فتح الباب فوجدها أخته منال غارقة في دمائها ومن هول الصدمة بدأ ينادي على أمه بصوت مفجوع تعالي يا أم يوسف تعالي بسرعة ساعديني لندخلها أولا إلى غرفتك….
بدأت الحاجة فاطمة بالبكاء لكن يوسف أشار لها بسبابته أن تخفض صوتها وهي تردد: ” لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم” من فعل بك هذا يا ابنتي….آهو زوجك…..قولي….أخبريني يا منال؟؟؟ أومأت لها منال برأسها ضربت الحاجة كفا بكف ” حسبي الله ونعم الوكيل”
كانت منال لا تزال تنتحب وأخوها يحاول أن يخفف عنها ما ألم بها…قالت لها أمها: ارتاحي الآن والصباح رباح…. ضمدت جرحها النازف من أعلى رأسها وأعطتها دواء مهدئا ضمتها إليها بشدة غطت بعدها منال في نوم عميق ….
لم تستيقظ إلا في اليوم الموالي فقد كانت متعبة جدا…وبعد أن انتهى الجميع من تناول وجبة الفطور بادرها يوسف سائلا إياها والآن أخبرينا يا منال بالذي وقع…حكت لهما ما كان من زوجها أحمد وكيف أنه طردها من بيتها شر طردة بعدما اتهمها بالخيانة الزوجية …اندهشت والدتها وأردفت قائلة ” لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم” حسبنا الله ونعم الوكيل…ربتت على كتفها : انسي كل الذي حصل فنحن إلى جانبك ولن يهدأ لنا بال حتى تبرأ ذمتك وتظهر الحقيقة وتعودين كما كنت وردة متفتحة يفوح شذاها في كل مكان…
قال لها يوسف مخاطبا :ألبسي عباءتك وهيا نخرج سويا…
لا أريد يا يوسف…أريد البقاء وحدي رجاء….
لا لن أتركك لتلك الهواجس أختي…هيا نتمشى بجانب البحر فلدي الكثير لأخبرك به…
ابتهجت الحاجة فاطمة وقالت :أشاطرك الرأي يا يوسف ..هيا يا منال استعدي….
كانت الأمواج هادئة ذلك اليوم …بدت منال وكأنها طفلة في الرابعة من عمرها…رمقها أخوها بنظرة ملؤها الحب وهو يرى في عينيها توهجا وسعادة لم يرها من قبل عادا إلى المنزل مساء بعدما كان التعب قد أخذ منهما مأخذا عظيما….
كانت الحاجة فاطمة جالسة في ركنها المعتاد وسبحتها لا تفارق يدها وهي تدعو الله في سرها أن يديم المحبة بينهما….
دخل عليها يوسف بعدما طرق الباب ولم تجبه خاف أن يكون قد أصابها مكروه فوجدها غارقة في كتاباتها والدموع تملأ مقلتيها وهي تردد: أوجعتني الطعنات ممن وثقت بهم …واكتشفت أن الوحدة أجمل وأن الصمت أرقى وأن الكتمان يحفظ الكبرياء حتى لو قتلني…. يوسف قالتها وعينيها مغرورقتان بالدموع عندما تكتشف أن أقرب شخص إليك كان كذبة سيصعب عليك تصديق الكثير…
ضمها إليه بشدة وقال لها: كفاك بكاء يا منال…أرجوك أنت تمزقين قلبي ببكائك…أقسم أنه لن يهدأ لي بال حتى أثبت براءة ذمتك مما اتهمت به مسح على رأسها ثم قال لها: حفظك الله لي والآن تعالي لنحتسي معا كؤوس الشاي المنعنع على الشرفة…
لا أريد أن أحتسي شيئا …أريد البقاء وحدي وحسب…
حسنا لك ذلك أختي لكن قبلها عديني ألا تبكي مجددا …وقبل أن يغلق باب الغرفة ناداها مخاطبا: لقد نسيت أن أخبرك أنني أخذت لك موعدا غدا صباحا مع الدكتور ” رامز” صديقي الذي عاد مؤخرا من الديار الايطالية…
كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحا عندما استقلت منال سيارة الأجرة رفقة أخيها يوسف متوجهين إلى عيادة الدكتور رامز”
استقبلهما استقبالا حارا…وبعدما حكت له منال عن مشكلتها مع بطنها المنتفخ قرر مساعدتها حيث قام بإجراء بعد الفحوصات لها بعيادته كما طلب منها أن تجري بعض التحاليل في أحد المختبرات بالعاصمة ومن فورها استقلت القطار صوب وجهتها صحبة أخيها وقامت بالتحاليل اللازمة…أخبروها هناك أن تنتظر أسبوعين ريثما تظهر نتيجة التحاليل…
عادت إلى مدينتها مساء وكلها أمل وإيمان بأن الغد سيكون أجمل بإذن الله تعالى ….
باتت ليلتها تلك بين تهجد وتضرع لله سبحانه وتعالى استيقظت الحاجة فاطمة لتصلي صلاة الصبح فوجدتها في غرفتها تدعو وتتضرع رفعت أكفها إلى السماء ودعت الله أن يطمئن قلبها وقلب ابنتها ..
وفي الصباح وبينما الأسرة جالسة على مائدة الفطور رن هاتف يوسف رمقته منال وقالت متسائلة من… من يا يوسف؟ تبسم يوسف قائلا إنها رسالة نصية من الدكتور رامز يقول فيها أنه سيأتي لزيارتنا مساء…
أردفت الحاجة فاطمة: مرحب به في أي وقت يشاء…
كان الكل جالسا في غرفة الضيوف عندما فتح الدكتور رامز ظرفا يحوي الفحوصات والتحاليل المتعلقة بحالة منال …
بدأ قلبها يخفق بشدة بادرها الدكتور رامز قائلا:اجلسي يا منال وخذي نفسا عميقا فكل شيء على ما يرام
نظر إليهم الدكتور رامز قائلا : لا داعي للقلق يا جماعة ليس هنالك ما يريب فمنال ليست حاملا وإنما ما يبدو من بطنها المنتفخ من خلال الفحوصات والتحاليل فهو” تكيس مبايض نوع نادر جدا “. ومع هذا الدواء سينهي هذا العرض بإذن الله تعالى.
تنهدت منال وتنفست الصعداء…أما الحاجة فاطمة فقد سجدت لله سجدة الشكر فقد برأت ذمة ابنتها…
وبعد أيام قليلة اتصل أحمد ببيت الحاجة فاطمة فأجاب يوسف على الهاتف غير هذا الأخير لم يترك له فرصة الكلام…. وأردف قائلا منال لن تعود إليك مجددا… نلتقي في المحكمة يا أحمد وأقفل الخط بوجهه… حاول أحمد مرارا وتكرارا أن يتصل بها…. لكنه لم يجد إلى ذلك سبيلا…. حاول اعتراض سبيلها مرات عدة لكنه لم يفلح… كان ذلك يوم السادس من رمضان الأبرك عندما طرق الباب فتحت الحاجة فاطمة الباب فوجدت أم أحمد و ابنتها بالباب استقبلتهما و أجلستهما في غرفة الضيوف بادرت أم أحمد قائلة ما هذا الذي يجري… لماذا لا تعود منال إلى بيتها يا حاجة لقد ظهرت الحقيقة أخيرا …
أجابتها الحاجة فاطمة أبعد هذا الذي كان من ابنك وتريدينها أن تعود إليه… منال ليست مستعدة لتعيش معه بعد الآن…. كيف تقولينها بعد ما رماها بتهمة الخيانة…
-افهميني رجاء يا حاجة ابني لم يستسغ ما وقع…
– فعلا ابنك لم يستسغ وأنتم لم تتفهموا بل زدتم الطين بلة و تهكمتم عليها و بعدها طردتموها من البيت في وقت متأخر من الليل… الثانية ليلا…
– نخن نعتذر منك يا أم يوسف… اتركي الأمور تعود لمجاريها…
بعد برهة من الزمن دخلت منال فوجدتهما في غرفة الضيوف ألقت السلام انحنت حماتها تحت أقدامها وقالت لها لستحلفك بالله يا ابنتي أن تغفري لنا….
أوقفتها منال وقات لها أتفهمك يا خالة لقد غفرت لك… لكنني لن أعود لأحمد مجددا… موعدنا في المحكمة بعد غد… استأذنكم سأذهب لأرتاح…
مرت الأيام كالبرق… وهاهي ذي منال عائدة من كليتها عندما استوقفها الدكتور “رامز” ألقى عليها التحية فردتها عليه بأحسن منها…
و بعدما سألها عن أحوالها أردف قائلا : سيارتي هناك… هل أوصلك إلى البيت؟؟
أجابته: لا لا يا رامز أنا لست متوجهة إلى البيت…
-إذن إلى أين…؟
– اليوم خطبة صديقتي و سأذهب لأشتري لهآ هدية
-إذن،….. سأرافقك…..
-لا داعي لذلك يا رامز…
– حسنا… باركي لصديقتك و سلمي لي على الحاجة و على يوسف و قولي له أنني سأتي لزيارته بعد صلاة المغرب بإذن الله تعالى…
….. بعدما عادت من خطبة صديقتها هالة وجدت يوسف في انتظارها قائلا: لقد تأخرت يا منال….
-أجابته: أنسيت ….. لقد كنت في حفلة خطوبة
-تعالي: أريد أن أحدثك في موضوع ما…ألم تقل أن الوقت تأخر … سأذهب لأنام و نتحدث صباحا … دخلت غرفتها و هي تردد أغنيتها المفضلة
جاءها يوسف مبكرا… واقترح عليها أن يذهبا لاستنشاق بعض الهواء بالحديقة المجاورة … فوافقته من توها، وبينما هي ترتدي ثيابها بدأت بالتكهن وهي تنظر إلى مراتها وتبتسم وتغني أغنيتها المفضلة ” قدام مرايتها ” وصورة الدكتور “رامز” لا تفارق مخيلتها.. و كأن باب السعادة قد فتح على مصراعيه، و كأنه يناديها و يقول لها تعالي إلي…
بدت هادئة عندما أمسك بيدها بحرارة وسألها عن رأيها بالدكتور “رامز”
بدت معالم الاستحياء على محياها، فحنت رأسها ولم تنبس ببنت شفة… أردف قائلا: أنت موافقة إذن… السكوت علامة الرضا… وأعقبها بضحكة عالية ظهرت على إثرها أضراسه…
بادرته في استحياء قائلة: هيا… هيا لنعود إلى البيت…
-ولكننا لنكمل حديثنا بعد…
هيا هيا كفاك كلاما …و أطلقت ساقيها للريح بدت كفراشة تتراقص هنا و هناك و كأنها تتنقل من زهرة إلى أخرى …
… فتحت الحاجة”فاطمة”الباب… ضمتها إليها بحرارة وقبلتها من رأسها وأردفت قائلة الله يبارك لي فيك يا أماه… أنت أروع أم بالدنيا…
تساءلت أمها… ما الذي جرى… سألت يوسف ما بها أختك… قال لها ضاحكا… اسأليها بنفسك… يبدو أنها قد جنت…
وها هي التحضيرات قائمة على قدم وساق والكل سعيد وفرح بهذا اليوم المبارك.. أوصلهما يوسف إلى المطار ودعوات الحاجة فاطمة لا تفارقهم “أسأل الله عزوجل أن يجمع بينكما في خير وييسر أموركم، يسعدكما رب العالمين”
و دعت أهلها و رحلت مع رفيق دربها إلى الديار الإيطالية حيث سيبدآن معا فصول حياة جديدة…
بعد مضي سبع سنوات من غربتها ها هي ذي منال تعود لبلدها بعد أن حصلت على شهادة الدكتوراه في الطب من إحدى الجامعات الإيطالية…
كان ذلك أول يوم لها بمصحة ‘الأمل’ لبست وزرتها البيضاء واستقلت سيارتها الزرقاء من نوع “فورد” وتوجهت صوب المصحة… حيث كان هناك مريض يتلوى من الألم… طرقت باب الغرفة ففتحت أم المريض الباب ذهلت منال عندما وجدتها أم أحمد “زوجها السابق” عانقتها بحرارة…
و قالت لها: يا دكتورة… يا دكتورة منال ابني يحتضر أرجوك…. أتوسل إليك، ساعديه… ليس لنا إلا أنت بعد الله يا دكتورة…
لا عليك يا أم أحمد سأفعل المستحيل ليقوم بالسلامة إن شاء الله… كفاك بكاء يا خالة خذي… امسحي دموعك… ساعديه بالدعاء…
توجهت أم أحمد لمصلى ‘المصحة’ وصلت ركعتين لابنها…
مرت العملية بنجاح… وبينما كانت منال تهم بمغادرة المصحة… نادتها الحاجة عائشة قائلة: منال… أغفرت لنا يا ابنتي؟؟
احتضنتها منال قائلة: إن الله غفور رحيم يا خالة… وربتت على كتفها قائلة… اعتني بنفسك وبأحمد…
……. مع السلامة ….