…كان يبحث عنها بين صفوف الطالبات لكنه لم يعثر لها على أثر…خرج مسرعا قاصدا مقصف الحي الجامعي..آآه….إنها هناك جالسة في تلك الزاوية من المقصف لوحدها كعادتها…لقد أعمت الغفلة عينيها وفتح لها طريق التقليد الأعمى الباب على مصراعيه فسلكته دون وعي منها….اقترب منها لوح لها بيديه…جلس قبالتها…وأردف قائلا: ماهذا يا صفاء!! ماذا جرى لك ولشكلك !! لم نعهدك هكذا البتة !! أين صفاء التي كنا نعرف ؟!! ماذا فعلت بنفسك ورب الكعبة أخبريني؟!!
صفاء:وما شأنك أنت!!! هذه حياتي وأنا حرة …أفعل ما يحلو لي ما دمت لا ألحق الضرر بأحد..
عمر: ندت عنه تنهيدة طويلة أية حرية هذه يا صفاء!! أحرية في البعد عن الخالق سبحانه و تعالى!!! لا وألف لا…
حسبتك ستتعضين بعد وفاة صديقتك مها…لكنك توغلت أكثر فأكثر…يوما بعد يوم…
صفاء : هييييه كف عن هذا الكلام رجاء سئمت من سماعك أوتحسب نفسك داعية….!!!
أمسك يدها بلطف وقال مخاطبا: عودي كما عهدناك يا صفاء…احرقي زورق الحياة البالية الذي ركبت فيه منذ وفاة مها…واركبي زورق الإيمان والصبر…وأمسكي بيديك أقوى المجاذيف….مجذاف الأمل بيد…وباليد الأخرى مجذاف العلم والمعرفة…
انسكبت الدموع من مقلتيها…وكأنها تسمع هذا الكلام للمرة الأولى في حياتها…أصغت لصوت بداخلها يناديها…: لماذا تتمادين…لماذا تسيرين في هذا الطريق المظلم!! تتخبطين فيه بين الأوهام !! ألم تملي…!! ألم تكتف بعد!!! ألم يحن الوقت لتستيقظي من هذه الغفلة التي ألبستك من ثيابها ألوانا شتى.. !!!
تراجعت إلى الوراء…وعدلت من جلستها وتراءت لها حياة العفن التي كانت تتخبط فيها وهي تغرق…وتغرق….تستنجد…تصرخ بكل ما فيها….أنقذوني… فأنا لا أعرف السباحة في هذا البحر الهائج….ودق جرس الإنذار مدويا في نفسها….
…دق جرس الإنذار مدويا في نفسها…وانهالت الأسئلة عليها من كل جوانحها…يااا إلهي….ماذا أعددت لسؤال ربي ومولاي وسيدي….لا شيء أبدا.!!!…..لا شيء البتة !!!…لا رصيد أنجو به…!! ولا زاد أتزود به….!!
وفجأة مدت لها يد…فأمسكت بها جيدا…وسحبتها بقوة من ذلك البحر الهائج ورمت بها في بحر التوبة الصافي فخرجت منه وكأنها ولدت من جديد….
فتحت عينيها…فوجدته أمامها…إنه عمر يبتسم لها…وقد مد لها كتابا تحت عنوان” زورق الإيمان ” أخذته وعادت مسرعة أدراجها إلى غرفتها بالحي الجامعي…دلفت الغرفة …فتحت النافذة …فإذا بصوت إمام المسجد يهز كيانها…وكلمات بارئها تؤثر في مسمعها…وكأنها تسمعها للمرة الأولى…ما أشد تلك الكلمات وما أعذبها.. خرت ساجدة لربها…
لوهلة تذكرت الكتاب وما أن فتحته حتى انسابت دموعها الحرى…بقيت على حالتها تلك طوال الليل…وفي الصباح وبعدما فتحت عينيها وجدت رسالة على متصفح هاتفها…إنه عمر ابن خالتها وأخوها من الرضاع يسأل عن حالها…بعدما تركته في المقصف جالسا وحده مساء أمس دون سابق إنذار….
خرجا إلى الكلية سويا….وكانت وكأنها الصفاء بعينيه…فقد رفرفت رحمة الله ومنته عليها….خرجت وكأنها فتاة أخرى لا تكاد تعرفها…بلباسها الذي يكسوها من مقدمة رأسها إلى أخمص قدميها…أمسك بيدها وعانقها بحرارة وقال ممازحا…: إنها الحياة يا صفاء…ما أحلى الحياة في القرب من الله…
أجابته : بلى يا عمر…إنه زورق الإيمان….