تعد الدكتورة انسام المعروف من الكتاب المتميزين في كتابة القصة القصيرة في العراق وتمثل شخصيتها الأدبية شخصية مهمة في الحركة الأدبية إذ تمكنت من أن تضع نفسها على خريطة الفن القصصي العربي من خلال الكتابة القصصية المتعددة وما قدمته من نقد أدبي رصين ومؤلفات ثقافية متنوعة
إن قراءتي لقصة (الصندوق الأسو د لا تقوم على مقومات التحليل النقدي العميق وانما هي قراءة لجلب الانتباه لمن يقرأ النص لما يحتويه من ابعاد وجودية ولقد ظهرت به العناصر السردية في المعمار الفني للقصة والتي أسهمت في البناء المعرفي من خلال التقنيات الفنية التي وظفتها الكاتبة لإقامة ذلك البناء.
أ – العتبات النصية
عنوان القصة :يمثل عنوان النص بأسره عتبة أصيلة من عتبات العمل الأدبي والنص موازي له وقد جاء عنوان القصة على النحو التالي: (صندوق أسود)
وهو يحمل بناءين :البناء اللغوي وهو ما تضمنه من اسلوب وصفي (صندوق أسود تحيط به حواس السمع وهو بذلك يحقق الإثارة لدى القارئ.
التركيب الدلالي: ينفتح العنوان على دلالات تعبيرية متعددة اذ يطرح تساؤلات وتأويلات عدة: مَاذا بداخل هذا الصندوق؟ وما رمزيته ؟
إن مثل هذه التساؤلات تحتاج إلى إجابات لا تتحقق ذلك إلا بقراءة القصة من بدايتها حتى نهايتها قراءة واعية ومتمعنة وفاحصة كاشفة لمضمون القصة، بمعنى أن العنوان متشظٍ في المنجز النصي بأسره.
وبذلك تكون قد تميزت الكاتبة باظهار وظيفة العنوان في توليد الإثارة والدهشة والمفاجأة لدى المتلقي فضلاً عن شعوره بالمتعة الفنية لتوصله إلى جواب سؤال العنوان بنفسه.
ب- الحدث السردي:تدور أحداث هذه القصة حول صندوق أسود سقط من طائرة وتتحدث فيها الكاتبة عن خبايا واسرار هذا الصندوق ولكن بدون تحديدها تفصيلا وهنا تكون الحبكة القصصية والدرامية فعليك ان تتخيل صندق يمثل كل الحياة بتفاصيلهامتصل بالحياة (صندوق يشتعل ويشتعل ويزداد اشتعالا ) فهو صندوق ويحتاج من يفك شفرته وقد مثَّلت الكاتبة دور الشاهد المراقب للأوضاع التي تحاول توصيلها، فالأفعال المضارعة (يفهم ما يزدحم في هذا الصندوق )أفعال تمثل حركة دائبة للفعل الجماعي لتصنع الحدث المطلوب او المتوقع.
ويلحظ المتلقي تخلى الجمل والتراكيب عن حروف الربط بين الجمل كنوع من التصفية والتكييف والإيجاز. ويدر ك أن لغة القصة هي لغة تناغم تحمل ظلالاً وألواناً موحية بمعاني ودلالاتٍ غنية وتدفع القارئ ليتجاوب معها وجدانياً ونفسياً فتتحقق المشاركة الوجدانية لديه، (لكن الصورة في كل مرة تزداد غموضا عتمة) ويتضح من السرد أن الكاتبة كانت تمنح لغتها التي تناسب طبيعتها ومستواها الثقافي على الصندوق وكأنه موجود في كل البقاع فهل هو صندوق واحد يجمع كل ما بناه الانسان ام أن لكل انسان له صندوق خاص يخفي فيه وجها آخر عن الحقيقة ودور الكاتب هو الكشف عن تلك الحقائق ويحيى به ذاته التي تسعى الى عالم المثل وذلك تاكيداً لما يقوله هيغل إن “العقل ينطلق إلى معرفة الحقيقة لكي يجد صورة مفهوم ما، وذلك من أجل “المعنى” و”الإدراك” أي أنه يسعى في الشيئية إلى أن يكون لديه مجرد وعي بذاته.
يمكن للمتلقي أن يستخلص من نهاية هذا التحليل أن الكاتبة قد نجحت في سبك عملها الفني الذي جسد واقعاً مليئاً بالمعاناة والأسى من خلال الاستعارة والرمزية وتصوير الواقع بأوضاعه الاجتماعية المختلفة والمتفاوتة في نمط القيم والأفكار من خلال صندوق اسود تصديقا لقول الكاتبة (ستأتي النهاية لتعلن ان الظلام له نهاية وان وعي النور اقوى بكثير من لا وعي الظلام !)