اعتاد عبد السلام أن يقرأ يوميا على الأقل خمس أو ست جرائد، ويستمع للأخبار في المذياع والتلفاز على طريقة الجيل القديم. ولأن لديه فائض من الوقت، فهو يقرأ الجرائد من أولها إلى آخرها. ويحرص على أن تكون متنوعة بين مُعارضة وحُكومية و(مُستقلة). بعد سنوات معدودة، اعتقد أنه راكم تجربة حقوقية وسياسية مُواطنة، فقرر أن يرفع شكاية بشخص يعرفه حق المعرفة، ومتأكد بأنه فاسد ومرتش. أصبح يمتلك ثروة طائلة في وقت وجيز، رغم أنه كان حتى الأمس القريب مجرد موظف صغير مثله، لا يتعدى راتبه أربعة آلاف درهم. وها هو بعد أن دخل مجال التسيير الجماعي، أصبح من المليونيرات.
التزم عبد السلام أن يجري تدريبا بينه وبين نفسه، حتى لا يسقط في غلطة قاتلة ترمي به وراء قضبان السجن.
تخيل نفسه أمام قاض يسأله :
ـ هل لديك حُجج تُدين المُدّعى عليه، وتُثبت بأنه مُرتش وفاسد؟
ردّ عبد السلام بيقين قاطع :
ـ سيدي القاضي الحُجّة التي لا تحجُب عين الشمس بالغربال واقفة أمامك. أنا أيضا موظف من القطاع، أعمل بنفس المكتب، وبنفس الأجر، ولكني مفلس، لا أنهي الشهر إلا بالسلف .
تخيل أن القاضي سيرفع رأسه، ويتأمّل مليا في وجهه، ثم ينصحه قائلا:
ـ اسمع يا بُني، المدّعَى عليه شخص معروف، يرأس المجلس، ولا أحد يستطيع أن يطعن في ثروة أحد من غير حُجج ملموسة. الخير الذي سأعمله معك، بما أني لمست فيك مواطنا صالحا، يُحبّ بلده، ويَغير على ماله ومُمتلكاته، سأعمل وكأنّي لم أسمعك، ولم أُقابلك .
حكّ عبد السلام رأسه، وأطلق نصف ابتسامة، يُفهم منها عدم اقتناعه بما سمع، وأضاف :
ـ سيدي القاضي، كل شيء واضح. لا أحد ينام في الليل فقيرا مُعدما، ويستيقظ في الصباح مليونيرا إلا إذا ربح مبلغا خياليا في (اللوطو)* أو (التيرسي)* !
افترضَ بأن سعادة القاضي سيُقطّب حاجبيه، وسيضع نهاية للحوار تاركا الخيار لمُحدّثه :
ـ أنصحك ألا تركب رأسك، لأني في هذه الحالة سآمر باعتقالك، وإيداعك السجن، بتهمة التشهير حتى تنظر المحكمة في قضيتك .
تخيل أنه خرج من مكتب القاضي مُحبطا، لا يُصدق ما سمع، وأنه بدا كالمجنون يتحدث مع نفسه :
ـ يا عبد السلام ! كيف تكون مواطنا صالحا، وأنت تتفرّج على اللصوص ينهبون الوطن، ولا تقدر على فعل شيء؟
منذ ذلك اليوم أقسم بألا يثق في جريدة، أو نشرة أخبار، أو مذياع، أو تلفزيون، أو قاض، أو انتخابات، حتى يرى الوطن قد استعاد أمواله، ويرى اللصوص خلف القضبان.
المعجم :
ـ (اللوطو) : لعبة تصدرها شركة خاصة
ـ (الترسي) : لعبة سباق الخيل
مراكش 04 أبريل 2021 .