عندما نتأمل الفلسفة باعتبارها بعيدة عن كل منفعة مادية لأنها ليست معرفة غايتها تقديم أنواع من السعادة أو الراحة المادية والتقنية والملموسة فهذا لا يعني أنها بلا طائل عموما ولا يعني أن الفيلسوف الإنجليزي راسل بقوله أنها مغامرة استكشافية نقوم بها لذاتها يقصد أنها رفاهية عقلية أو ترف خاص.
ليست السعادة واللذة محصوران في آلة غسيل بالنسبة لسيدة أرهقها فرك الثياب بيديها الناعمتين لسنين ولا في سندويتش مشتهى يأتي نادرا إثر حالة كسر للروتين ولا في ممارسة علاقة جنسية مع امرأة على مقاس الشبق. ليست في حيازة مشوشة أو محدودة. ليست السعادة في حيازة المال مثلا بشكل غفل جاهل. ليست السعادة كتصور ابتهاج عام في جماع كل هذا.
إن كل هذا مصدر متعة ناقصة لإنسان حقا، أو بلسان جون ستيوارت مل متع ليس فيها تصور قدراتي عال؛ هي متع تليق بخنزير وقال بأنه يفضل أن يكون سقراطا تعيسا على أن يكون خنزيرا سعيدا.
ولكن الفلسفة قد تكون منفعة أخلاقية سعيدة جدا مرنة لا تمنع ولا تبيح بل تتيح إعادة النظر إلى كل المتع والملذات السابقة كإمكانيات محفوفة بالفهم وحسن التفكير والتدبير – ذلك الإدماج للعمليات العقلية في السلوك العفوي من خلال التربية والتعلمات وتنمية الذوق- والتنفيذ والخروج السليمين من آلامها ومآلاتها بما هي رغبات لا متناهية أو شقية بلغة الفيلسوف الألماني شوبنهاور.
إن الفلسفة خاصة بكل فرد لتلائم إيمانه وعقائده دون إفساد علاقته بالغير وبالعالم وبسوء تأويل رغباته والقواعد والمعتقدات والثقافة المفروضة على تمثلها وطرقها تصورا وطلبا وطريقة إشباع، بسبب ذلك التأويل. المطلوب هنا هو نقل الاستمتاع من همجية الجهل بأصنافه ومن همجية الأهواء والغوايات بأنواعها، إلى نعومة لمس الموضوع، موضوع الإشباع والاعتناء بالدخول في حيازة أو محاولة حيازة أو امتناع أو زهد بدون توتر أو تطرف أو وصايات مسبقة، لنقل حسن انعكاس التفلسف في شقه العملي إذا شئنا على اليومي الساعي إلى اللذة واستبعاد الحرمان من خلال حسن ممارسة السعادة وإبداعها وإعادة تعريف ما نخبره ونعرفه منها، جودة رسم الشبق والتلذذ والعفة والعنف الجنسي المحبوب في النطاق الذي نتخذه مرشدا أو نختاره تشريعا واللطافة الشجاعة، الحياة المدركة ذاتيا لا كليا ولا مسبقا..
ومع هذا يجب ألا نطمح أن نجيب نهائيا على سؤال: ما شكل هذه السعادة التي يمكن أن تبشرنا بعظمتها هذه الفلسفة العظيمة المداوية بلغة المفكر المغربي سعيد ناشيد؟
فالفلسفة بلغة راسل دائما لا تأخذ على عاتقها مهمة حل المشكلات، تلك وظيفة العلم! الفلسفة لن تسعدنا! بل من الممكن أن تنير دربنا لشغف فهم السعادة الممتدة إلى أي شيء على الدوام وتحسين علاقتنا بالمحسوسات والملموسات وإضفاء الروح واللمسة الحكيمة عليها لجودة المتعة واللذة واستبعاد العنف الخطيئي والصدمة الشقائية الواقعية. إنها تحل مشكلة نظرتنا الضيقة أو الميكانيكية للمشكلات، وهذا أمر مذهل وشاق وممتع البؤس.. إنها لن تسعدنا بل ستحملنا على أن نسعد بإدراكنا الشقي لمفارقات السعادة وممكنات تصورها وصناعتها..
مقالات ذات الصلة
14/10/2024