هل سيفقدنا الذكاء الاصطناعي هويتنا كمجتمعات إنسانية لها طابعها الخاص؟!
في الأونة الأخيرة يتعرض الإنسان إلى موجة تكنولوجية جديده شهدها العالم من خلال التطور الهائل والسريع لما يُسمى بالعالم الرقمي حيث لم يقتصر ذلك التطور الهائل على مجالات بعينها تُعنى بالحاسبات والمعلومات فقط بل شمل جميع نواحي الحياة فقد تمكن المطورون لهذا الذكاء الاصطناعي الموسوم AI بإبتكار أربع فئات من الذكاء الاصطناعي: وهي الآلات التفاعلية (Reactive Machines)، والذاكرة المحدودة (Limited Memory)، ونظرية العقل (Theory of Mind)، والوعي الذاتي (Self-Aware). فكر في هذه الأنواع على أنها طيف تدريجي؛ كل نوع يعتمد على مدى تعقيد النوع الذي يسبقه.
والجدير بالذكر أننا تجاوزنا اليوم مرحلة النوع الأول من الذكاء الاصطناعي، ونحن على وشك إتقان واحتراف النوع الثاني، إلا أن النوعيّن الثالث والرابع من الذكاء الاصطناعي يتواجدان كنظرية فقط، وسيمثّلان على الأغلب المرحلة المقبلة من تطوّر الذكاء الاصطناعي.
وقد أعرب المطورون لتلك الطفرة التكنولوجية عن خوفهم وقلقهم الشديدين من خروج آلية الذكاء الاصطناعي عن السيطرة ومن ثم أطلقوا دعوى تحث على أن تتوقف تلك الآليه عن انتاج المزيد من الذكاءات AI لمدة أقلها ستة أشهر
ولم يتوقف الأمر هنا بل هناك الآليه جديدة تُدعى (LLMS) – التقنية التي يقوم عليها ChatGPT التي تمتلك الوعي للتحدث والرد وقامت بالتعامل معها الكثيرين من الافراد حول العالم وتمت تغذيتها بكمًا هائل من المعلومات التي تتمثل في الهوية والاديان وحل الالغاز ومعلومات تاريخية وحاسبات لانهائية ولن تكف تلك الآليه عن جمع وتخزين المعلومات التي يستهلكها الإنسان؛ بل أصبحت تتفوق على العقل البشري الذي يُعد المكون المحوري لما يعرف بالثقافة والحضارة التي عرفها ادوارد تايلور إنّ الثقافة أو الحضارة بمعناها الإنساني الأوسع على أنها؛ “هي ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والأعراف والقدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضواً في المجتمع”
ويعرفها ليفي شتراوس: يمكن اعتبار الثقافة كمجموعة من المنظومات الرمزية التي تحتل المرتبة الأولى فيها اللغة وقواعد الزواج والعلاقات الاقتصادية والفن والعلم والدين.وهذه المنظومات كلها تهدف إلى التعبير عن بعض أوجه الواقع المادي والواقع الاجتماعي وكذلك العلاقات التي يقيمها هذان النمطان مع بعضهما بعض وتلك التي تقوم بين المنظومات الرمزية نفسها مع بعضها.
والهُوية دائماً تجمع ثلاثة عناصر: العقيدة التي توفر رؤية للوجود، واللسان الذي يجري التعبير به، والتراث الثقافي الطويل المدى.
ولن يتوقف الأمر عند تلك النقطة المحورية بل سيشمل الأمر سوق العمل بكافة متطلباته من كتابة وتصميم وتوظيف وحسابات و إدارة مواقع كل ذلك وأكثر سيقوم به الذكاء الاصطناعي دون مشقة وبسرعة ودقة لا محدودة
وبالتالي سيتم الاستغناء عن الموارد البشرية بسرعة أكبر مما سبق وربما سيؤدي ذلك التطور فائق السرعة إلى مزيد من البطالة حول العالم خاصة وأن الذكاء الاصطناعي ان يتوقف عند الاعمال المكتبية والحسابية والتكنولوجية بل سيمتد إلى أبعد من ذلك
ولكن يكمن الخوف والقلق الحقيقيين في الخطورة التي سيتعرض لها تراث وهوية الشعوب وكذلك الذاكرة الشفاهية للكثير ممن يحملون الموروثات والمأثورات الشعبية داخل صدورهم ستفقد الاجيال الحالية هذا التواتر التوارث وذلك لأن ذاكرة الإنسان البشري ستُمحىّ مع الوقت ويُصبح إنسانًا بلا وعي أو هوية سيصبح وعيه آلي وهويته مضمحلة
ستُصبح الأجيال القادمة بلا حضارة وهذا بطبيعة الحال سيشكل خطرًا سنرى ابعاده خلال سنواتٍ قليلة سيُعاد فيها تشكيل الحدود وربما التاريخ أيضًا ومن هنا سينشأ ذلك الصراع الدامي بين الهوية البشرية والاصطناعية وسيصبح العالم عما قريب ميدانًا لتلك الحرب التكنولوجية التي سيشنها الإنسان ضد هويته الثقافية والحضارية .
—
كاتبة وباحثة في الفولكلور والثقافة الشعبية والتراث الحضاري