كل هذه الوجوه المصطفة و الممسوخة أعرفها، تتعالى تصفيقاتها، تشجيعاتها، أمشي بخيلاء مظفرة، ويدي تلوح لهم. ربما هو حلم من كوابيس التاريخ الملتهب بانتصارت الجوع والحرب. فمن أنا؟ حتى أحظى بهذا الاستقبال البهيج، متوجة على عرش ما سعيت أبدا لنيله..
أنا الجحيم و الجحيم عيوني، ولن أسمح للضوء الشائك المنبعث عن كلام الآخرين، أن يعبث بهما.
هنا مكاني الخالد بين الحكماء و المكللة ألقابهم بحروف الذهب والأحجار الكريمة..
وجوه واجمة لشخصيات حفظها التاريخ ترمقني من أسفل الأخماص لأعلى الهمم. نساء بوجوه رمادية ألفت كآبة هذا المكان الفارغ من الحب و الفضيلة.. تجرني إحداهن من خنصري لمتابعة السير واقتحام طريق بأضواء حمراء قاتمة، تلسعني رياح شديدة اللهب، فأداري رعبا ممزوجا بالغضب لما ترتفع الأصوات محتفلة باسمي :
– نور- هان .. نور- هان..
تلك المرأة الفارعة الطول، ذات العينين المكتحلتين، تحثني على رفع يدي وتحية الحشد ! تهمس بلغة عربية فصيحة :
– لا تنزعجي من أصواتهم وسحناتهم، هن فقط يرحبن بك بين طهرانينا !
أتمتم بحروف تأبى الخروج مذعنة لسطوة حضورها :
– أيييين أنااااااا ؟
تقهقه ملء شدقيها، كاشفة عن أسنان بيضاء :
– مرحبا بك بعالم الجحيم.. ما أقدمت عليه، خول لك تفادي الدركات السفلى، وجعلك تنتقلين لعالمنا بكامل هيئتك، رفقة العظماء !
وقبل أن أتفوه بما يخالج ذهني من تساؤلات، صرخت بإحداهن :
– والهة ! خديها لتتزين و تستعد لمقابلة العظيم !
أهي فعلا امرأة لوط؟ قوام ممشوق، دعجاء العينين، مشيتها بغنج وليست على استحياء !
– لقد وصلنا نبأ فعلتك بأمك.. أحسنت يا عاشقة !
أمي.. تلك الكائنة البغيضة التي ربتني ولم تلدني.. ما الضير بالمتعة.. إنه مجرد غلام أغوتني لعبته..
بمشط من الشوك تنثر زغبات شعري، أحاول أن أتألم في صمت، لكي لا أظهر ضعفي وندمي، وتنفرد والهة بحسين حبيبي، فجمالها يعمي البصائر..
بغمزة من عينيها، تأتيني وصيفاتها بثوب ماحلمت ولا سمعت عن جماله..تهمس في أذني :
– ستزفين ملكة اليوم الموعود..
ملكة ! لو أدركت أن شأني سيعلا هكذا بين الخالدات، لاقترفت فعلتي وحدي..أكيد حبيبي حسين هو الملك؟
أنتبه أني أحدث فقط نفسي، وأن الجميع تطايرت ملامحه من هبوب ضباب يحمومي، تقشعر منه القلوب..إنه فعلا هو سليل الجحيم ” قابيل ” يرخي بظل طوله على الجميع، ودون صوت، يتربع عرشا عظيما، ويأمرني بالانحناء والتزلف لزارع الشر الذي يطوف محلقا عاليا فوق الجميع.. وينزل متحولا لهيئة بشر على صورة ” حسين ” !
يلتف حبل المشنقة على جيدها الأسمر.. بينما هناك بالمشفى الحكومي، رضيعة يرفض الأهل التكفل بها…
** كل تشابه بالأسماء فهو مقصود.