ألا منْ مُبلغ عنَّي الخليفة اقوالاً متتاليه
إنَّني أرى الأسعار اسعار الرعيَّة غاليه
وارى المكاسب نزرة وأرى الضرورة جاريه
حسناً قالها من عبارات متراصة وفكرة لها وقعها عند شاعرنا أبي العتاهية، وهو يعيش العصر العباسيّ؛والابيات التَّي وردت عنه وهي تخاطب الخليفة العباسي في مجلسه لها ما يبرّرها عنده من خلال حياته (نشأ في الكوفة على صناعة اهله، وكانوا باعة جرار فجعل يصطفَّها ويحملها في قفص على ظهره متنقلاً في شوارع الكوفة يبيعها) تاريخ الادب العربي ص ٢٥٣.
وهذا بحدّ ذاته يُعدُّ مؤشراً على إنّ مهنة كسب عيشه قد جعلته يعرف السوق، وما يمرّ به من إضطراب في التعامل والسلوك الإجتماعي من عادات ذلك العصر. ولا نعجب إذا ما أضفنا المتنبي شاعر العصر إلى شعراء المهنة في كسب قوته من مهنة السَّقاء من ابيه، وهذا دافع إيجابي في مجاراة البشر، والتعامل معهم، والتعلَّم في كيفيّة حصولهم على الرزق، وكل هذا لا يمنع الشاعر ابا العتاهية ان يرصد نواحي النقص يلتقط من أفواه الناس الشكوى الحارقة للنفوس، والمتعللة الأبدان، والمميزَّة على الوجوه إنَّ السوق يشهد ارتفاعاًوالاسعار أصابها الغلو بفعل إحتكار التُّجار ؛ وأهل الصناعة لها بالرغم من إنّه شهد توافد الدول المجاورة، وحصل التزاوج بين القوميّات الأجناس. وإنكشفت الخبرة في الصناعة والتجارة، وطرق النقل إلأَّ إنَّ هذا لا يمنع الشاعر انْ يتنازل عن المديح والرثاء لابناء الخلفاء، او قصة سجنه لاضرابه عن شعر الغزل، وان يقف أمام الخليفةيعرض كشوفات البيع والشراء، ويدرس البطالة التي تفشَّت وقضت على المكاسب وكما يوضّح إنَّ لقمة العيش قد إضطراب ميزانها بين الترف والبذخ التبذير، وبين الفقر والعرز والصبر على الجوع.
ترى هل يتقبَّل الحاكم اليوم سماع قصيدة ابي العتاهية تنشد امامه، وهو يرى ويسمع إنً طائلة الأسعار المرتفعة قد اثَّرت على طبقات في المجتمع وهي تواجه لوحة الأسعار في الزيادة.
وما عسى الشاعر هل سيدخل السوق بقريحته التي ستلتهب بالأسعار؛ وكم يتناول من الأفكار في هذا القطّاع المهني اذا كانت المواد تتسابق عنده لتعرض شكواها على الشاعر لكسادها، وتلفهاوعزوف النظر إليها سيما إنَّ الصناعة تطرح الجديد كلَّ يوم. ولنا في نص الشاعر المصري حافظ إبراهيم في شكواه عنوانه… غلاء الأسعار. يقول من ديوانه الشعري.
ايُّها المصلحون ضاق بنا العيش ولم تُحسنوا عليه القياما
عزَّت السلعة الذليلة حتَّى بات مسح الحذاء خَطباً جُساما
وغدا القوت في يد الناس كالياقوت حتى نوى الفقير الصياما
ويخالُ الرغيف في البُعد بدراً ويظّن اللحوم صيداً حراما
واغيثوا من الغلاء نفوساً. قد تمنَّت مع الغلاء الحِماما
وعلى شاعر اليوم تقع مهّمة إيقاظ الحاكم، وإيراد الحِجج بانَّ لقمة العيش مضطربة بأيدي الفقراء، و المحتاجين ومتنعّمة بأيدي المترفين والمبذَّرين، وحتى لا نُردد لسنوات العِجاف قول /كاتب المقال/من نصَّ له عنوان /حصار.
وهذه القوافل قد لا تمَّر
في غيمة الصبح
في رعشة العليل
لا قطار قد يمّر
الكلُّ يصرخ حصار في حصار
وهذي السلال فارغة إلاّ من الدولار
آه كم دوَّخ الدولار
من يوم قيصر إلى طفل الانابيب
تبقى السلال فارغة
تفترش الطريق.
هي إشارة تتجه نحو. إقتصاد السوق حينما يمسك الشاعر أطرافها لعرض وجهة نظر الحكيم الذي يجمل ما يمّر به السوق وما يجري للأسعار بعدما انتهى عصر الشاعر في مدح السلطة ورمزها، والتزلّف والتمجيد إلى عرض قضايا الناس دون حذف، او تزوير أمام المسؤول بابيات قليلة معبّرة تؤثر فيها أكثر من المدح الزائف.
. البصرة.. /٢٠٢٣.