حميد يأتيني مع مغرب هذه الليلة بخبر يقين حسب تعبيره:-رأيت بأم عيناي اللتان سيأكلهما الدود أفعى صغيرها يجلي مدينة بأكملها.
قلت في نفسي هل تخرج الزواحف المسمومة في الجو البارد،حتى وان خرجت فقد اوصتني أمي ذات يوم القطران يبعد عنك خطر الافاعي،قمت بحمل فراشي وغطائي وفركهما واحدة تلو الاخرى،لم أجد شكا يبقيني خارج الجماعة التي أتت عندي،بطلب مني للاحتماء من ليل طويل بطيء الكواكب.
قمت بوضع براد شاي فوق الكانون،ثلاث حجرات على شكل مثلث،وحطب من السدرة،منها تحضير شاي،ومنها كما قالت أمي ضرب لشتى أنواع العيون التي أصابتني كما قالت،وزادت ان لم تفعل ماأقول لك فأنت عاق لي.
أنفخ بجميع أنفاسي،أعيش في جو البادية في بداية الثمانينيات،أبطيء الزمن وأعيد به قدر الإمكان إلى مكانه الجميل،تأتي ريح قوية على شكل دوامة،تزهر الجمر،وتقف في لحظة،السماء فوقنا فلماذا نخاف خصوصا من المستقبل؟.
أوجد مائدة صغيرة تحمل صينية لخمس أفراد ليس الا،بعد أن “شحرت ” البراد،بدون شاي كما طلب مني سعيد صاحب الكرش المتدلية واللباس البراني كما كان يقول:جلبه له اخوه من هولندا،فالنعناع يصيب المعي كما قال.
يناديني سعيد أنا ضروري من النعناع،يدخن السيجارة وفي مرات اخرى،تكون “النفحة”،ليرتاح كما قال،أجيبه ماديا أو معنويا،يشعل السيجارة يرشف منها رشفات ويفتر عن أسنانه،ويقوم بوضع أصبع الإبهام ليده اليمنى على سنه،ويذهب بتفكيره أبعد منا.
سمير هذا يجمع كل بين السمانة والبدانة،والنكتة أيضا يحب الشاي بلانعناع وكأنني بارمان بمقهى الزرقطوني،يقوم برشفة شاي، كأنبوب امتص كل المياه،ويقول أليام،ذات مرة قالت لي امرأة أنك تحرشت بي، الإخوة جاوبتها ب:أتعرفين كم من سنة لم اره،ضحكت وصلت ظهرها لي.
يفتكر حميد أنه معنا بعد أن تعالت ضحكاتنا،ويتكلم ماذا قلت ياسمير،يجيبه الأخير :اذا فاتك الكلام قل سمعت،وإذا فاتك الطعام قل شبعت.
كان علي أن أغير من جو الجلسة،بعد أن افتكرت كلمة الباشا :لايعيش في هذه البراكة الا حيوان،حاولت تفسيرها فلسفيا،فقلت كلامه على صح مادام الانسان حيوانا ناطقا،في تلك اللحظة ينبح الكلب بجانبي،فأفهم ماذا يريد،أقوم بسقيه وطعمه،يجيبني حميد وقد سمع همسي مع نفسي،لقد صدق الباشا هاأنت تفهم الحيوان.
فأخفيتها في نفسي،قبل سنوات كنت أزعم أن لاعدو لي،والآن عرفت أن كم من ولي نعمتي،انقضت مصلحته فتحول إلى ناقم، أنذاك تفكرت قول صديقي،اقرأ واترك أمرك للسماء،هذا مافعلت،جذبت رواية هشام ناجح”المدينة التي…”،ب دف وقرأتها تلك الليلة،فعادت لي البسمة بعد أن أكملتها.