قرع الباب بهُدوء، أنا عند المكتبة أنظُر في أمر ترتيبها، فتح الباب ودلف بسكينة غير دأبه، منحتُ طرفي إليه بادلني النظر، زمّ شفتيه ثم قال لي: أبي مات، جدك!
ثم تنهد بعمق ومحاجره تذرف الدموع، غض طرفه وانصرف، مشيتُ خلفه فنزلنا الدرج للطابق أسفل.
جوٌّ غريب! هيبة الموت! دلفت شقة جدي، صادفت عن مدخل غرفته جدتِي واقفة كأنما الطير حطّ على رأسها، وجدي؟ هناك على السرير لا يظهر منه إلا قمة رأسه.
صدقوني؛ أول مرة أرى فيها إنسانًا فارق الحياة، أم هي التي فارقته تاالله لا أعلم.
راودني شعور مبهم، ورائحة تتضوع بالغرفة لم تبرح خياشيمي حتى الساعة، أهي ريحُ الموت؟ أم الخوف؟ الدهشة؟
ما الموت يا محمّد؟ المعنى السماوي الذي ينزل بكلمة من الرحمـٰن على هيئة ملاك، يأخذ بأمر من الله لأمر الله، ليصير بعدها ذكرىٰ لأهله، ويبقى منه أموره الثلاث:
صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.
لك أن تنظر في فلسفة الموت، أنت جالس بين أهلك، كل في شأنه منصرف، يأتي ملك الموت يمرّ مرور النسيم لا تدركه الإنسانية جمعاء إلا وقت رحيله مع روح الهالك، يمرّ أمام ابنه وزوجته ويتخطى الجميع صامدًا إليه، ثمّ..
آه من تباريح الحزن، ولوعة الفراق، أفقتُ من غفوتي الفكرية على خطوات أمي وهي تقترب منا تهمس : لا إله إلا الله.. و تغالب العبرات وقلب قريح في شوق للنحيب لولا تقوى الله.
نظرت لجدي رحمه الله، إنه الليل شارف على نصفه، ماذا نصنع! أي عمل نفعله لإكرام الميت قبل دفنه؟
نطقت جدتي، عزانا وعزاكم واحد، انصرفوا يرحمكم الله! ثم امسكت بيمين والدي وحده، قالت: ننظفه يا ولدي قبل أن يبلغنا الفقيه ليغسله لمثواه الأخير..