قال “ارسطو “المرأة كالوردة . . تستدرج الرجل بأريجها لتلسعه بأشواكها . . “هكذا عرفها وهي ملهمة ” ايروس ” إله الحب والخصوبة عند الاغريق اذ يجسد الإله هذه العلاقة بالرجل فقط بما عاطفي وجسدي وهو تعبير عن الشغف والرغبة
ولقد خشي الإغريق من هذا الحب وهو موضوع البحث هنا إذ اعتقدوا أن البشر لديهم دافع غريزي للتناسل لذلك فإن كان هذا الحب قويًا جدًا فقد يؤدي إلى فقدان السيطرة.
وإن اعتبر سقراط الذات على أنها جوهر الوجود وأساس الكون وأنها هوية الإنسان ودليله في تمييز الخطأ والصواب كما يرى أيضًا أنّ ذات الفرد الحقيقية هي روحه وأنّه لا يجب مساواة الذات أو ربطها بالجسد أو بما يملكه الإنسان من ممتلكات ومن خلال هذه الرؤية بدأت فلسفة البحث عن الحب لدى الاغريق إذ كانوا يرون الحب واحدًا من دعامات الفلسفة الأساسية وشرعوا في بناء العديد من النظريات التي من شأنها النهوض بالحب والانتقال به من مفهومه المادي إلى مفهومه الروحي، لكونه صفة أساسيّة تظهر آثارها في سلوك الكائنات الحيّة.
لكن هناك اعتقاد آخر يرى بأن الفلسفة و الحب نقيضين لا يمكن الجمع بينهما كإله الحب في الميثولوجيا الرومانية «كيوبيد» الذي كان يجمع في ذاته بين الرقّة والعدوانية معًا فهو يُلاحقك ليُطلق عليك سهمًا يُخفيه تحت جناحيه ليُصيب قلبكَ وتخضع لحب محبوبك.
لقد اهتم الفلاسفة منذ العصور القديمة بذلك الشعور الذي يدفعهم للبحث عن قرب جسديّ أو فكريّ أو حتى تخيّلي واعتنوا بمفهومه فنرى كيف اكتسب مفهوم الحب خطابًا متعاليًا وأهمية فلسفية كبرى بفضل مأدبة أفلاطون.
تُصوّر مأدبة أفلاطون الذي أجرى فيها حوارًا بين أستاذه سقراط وبعض من معاصريه من الفلاسفة والشعراء ورجالات السياسة والأطباء مذهب سقراط وآراءه في الحب بالإضافة لتعبير كل متحاور عن رأيه في الحب وكيف يتطبّع حديثه بطابع شخصيته وتجلّت المأدبة بثلاثة نظريّات رئيسية:
نظريّة الحب النبيل:
ركّزت على مشاعر الشرف والوفاء واحترام ما تلتزم به من قول وفعل إذ يَخلق الحب المبنيّ على أساس التقدير المتبادل، عددًا من الأفعال السامية هذا ما طرحه «فيدروس» في محاورته كأن تتخيّل دولة قوامها جيش من المُحبّين ومحبيهم فهل تتوقع منهم سوى الانتصار في معركة ما؟
لا يمكن حدوث غير ذلك، حتى ولو اجتمعت ضدهم البشرية جمعاء، فلن يترك أيّ مُحب محبوبه جريحًا دون إسعافه، أو يجعله يتعرّض للخطر ولن يفرّ ويتركه وراءه. وبذلك فإن الحب النبيل يؤدي إلى أعمال نبيلة.
لكن تكمن المشكلة هنا في أن يكون الحب نبيلًا في المقام الأول.
يرى «بوزانياس» أن ليس كل أنواع الحب نبيلة أو تستحق التقدير فهناك حبّ نابع من آلهة الحب والجمال «أفروديت السماوية» الذي يتّسم بجمال العواطف وآخر نابع من «أفروديت الأرضية»، والذي يُسمى بالحب الدنيء فالحب السماوي لا يختار إلا الأشخاص الذين يتّسمون بالفضيلة والذكاء ويعقِد مع الطرف الثاني معاهدة إخلاص بعد التأكد من الأخلاق وطبيعة النوايا.
نظرية توأم الروح:
يعتبر «أريستوفان» الشاعر الكوميدي بأن الكائنات البشرية لم تكن بفطرتها الحالية ذكورًا وإناثًا منفصلين بل كانوا متحدّين في شخص واحد بأربعة من الأيدي والأرجل وزوجٍ من الرؤوس والأعضاء التناسلية. لكن غرورهم اشتد وتجرّؤوا على مهاجمة الآلهة، فعاقبهم الإله زيوس وشطرهم لنصفين ليتركهم يهيمون في الأرض كل نصف يبحث عن نصف ذاته الآخر ليلتحم من جديد بالتزاوج ويُحقق الرجوع إلى الطبيعة الأولى.
يبدو لنا الحب من خلال هذه النظرية الفلسفية بأنه استعادة الجزء المفقود من كل إنسان بغية الرجوع إلى الأصل وحالة الاكتمال الأولى ليصبح الكائنان كائنًا واحدًا وهذا ما يُفسّر إحساس المحبة والقرابة والصداقة الغريب والقوي الذي ينشأ بشكل عارم حينما يلتقي الإنسان بنصفه الآخر شعور غامرٌ لا يتعلّق بطبيعة الإنجذاب الجنسي قصير المدى بل التجلّي برغبة الاستمرار والمشاركة معًا بسموّ وإخلاص حتى يذوب الواحد في الآخر بعد الموت عند «هاديس» إله العالم السفلي.
وهنا يوصي «أريستوفان» النوع البشري بأن يتزاوج كل نصف مع نصفه الذي خُلق له ويخصّه بالذات حتى يتّحدا سويًا ويعودا للطبيعة الأولى و للسعادة المطلقة وإن محبّة الآخر هنا ما هي إلا إشارة أيضًا لحب الشخص لذاته.
نظرية الحب الخلاّق:
يعتبر «سقراط» أن الحب الذي ينتهي ليس حبًا أصلًا ودومًا ما يكون الحب لشيء ما ينقصنا أو قد حُرمنا منه وبأن السعادة تتمثّل بالجمال والخير وبما أن البشر في سعي دائم يبحثون عن السعادة التي تنقصهم، بالتالي يتوقون لامتلاك الجمال والخير وبذلك نرى اختلاف سقراط مع غيره فهو يرى بأنه “لا يكفي لأن يكون الطرف الثاني هو نصفي الخاص كي أحبّه بل ينبغي أن يكون خيّرًا فإن لم يكن ذلك فسيؤدي إلى سُمّية الارتباط ويمكنني بتر جزء من جسدي إن لم يكن صالحًا لبقية الجسم لذا فالشيء المحبوب الوحيد هو ما يتّسم بالخير.”
ولكن هل اعتبرت الفلسفة الحديثة ان الحب فعلا هو ولادة في الجمال عبر الجسد والروح وهل ان الرغبة التي يمتلكها البشر لا يمكنها التمام إلا بالجمال الروحي والفضيلة ؟