منذ بداية هذا الصراع، وأنا انتظر عودتك من أوهامك الذي عشعشت في مخك بأنك قادر على هزيمتي، تاركا المجال والفرصة لذوي النية الحسنة من المسؤولين ونخبة المجتمع والاصدقاء والجيران … وهو الأمر الذي كنت تعتبره ” ضعفا “، لأن تنشئتك الاجتماعية حتى ستين سنة من عمرك، أوهمتك أن ” الصلح خير ” ضعفا ووهنا …. لانك لئيم وستبقى لئيم طول حياتك … وهو الأمر الذي زاد من كشف ضعف شخصيتك وانكشافها أمام نفسك، قبل أن تنكشف أمام الاخرين ….
لا أحب أن أذكرك على جميع المواقف التي خرجت فيها مدحورا، مذعورا، صاغرا… وهي اللحظات التي سأوثقها في ” كتاب ” … إما ينهل من التحليل النفسي …. أو من عالم الرواية تكون بطله أنت … أنت….فشخصيتك نموذج رفضت أن تتأقلم مع المتغيرات …متغير أن مغرب ما قبل حكم الملك محمد السادس … ليس هو مغرب ما بعده … ستكون نموذجا رائعا ” لشخصية ” انتقلت من عالم الفلاحة ( النخوة والشهامة والخير … ) إلى عالم السياسة ( الفساد، وغياب القانون، والقوة … بالمعنى المغربي ونماذجك كثر ).
فجيلك …. ممن نهبوا المال العام، وعاثوا في الأرض فسادا … ولا داعي لان اذكرك باسمائهم فهم كثر … ففي اللحظة التي احسوا فيها بأن وقتهم السياسي والاجتماعي وليس البيولوجي انتهى … رجعوا الى كفوههم…. ليقتاتوا على ما تحصلوا عليه … خائفين على مصيرهم من غضب المخزن الذي بين الفينة يرفع شعار ” إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها”. وآخرهم مبدع والراضي …
لن أمنحك، فرصة عزيزي… انتهى زمن فرص الصلح … فأنت نموذج يجب أن ينال عقابه في الدنيا قبل الاخرة على جرائمه… وأنا متأكد أنك تنالها في كل لحظات يومك…
في النهاية … أقولك لك أن المعركة بدأت للتو…. فلا ” صلح ” بعد الآن … انتظرني فإني قادم… بقدر ما أنا أعشعش في يومك …سأصبح الان … اخرج لك في منامك كابوسا … الذي به ستنهي حياتك … هذا اعلان باغلاق باب الحوار …. وبداية ” الحرب ” حرب الخير على الشر …
لا تنتظروا من كاتب مبتدئ في عالم الرواية، أن تكون تجربته الأولى نموذجية، فهو للتو بدأ خياله ينفتح على عوالم أخرى. لن يتبع مؤلفها حبكة بداية وعقدة وحل… بل ستكون على شكل رواية اوراق لعبد الله العروي حيث يبدأها ” هذه أوراق إدريس، خذها أنت أقرب الناس إليه، وإلا اشتراها البقال ليحرقها أو يغلف بها الحمص…” .
إن صاحبنا إدريس في روايتي هذه، القروي السعيد الذي كان يستيقظ عند كل فجر، يؤدي ركعتي الفريضة على عجل، يتناول فطوره ، ثم ينقل معداته الى الحقل حيث يبدأ يومه على تغريدات العصافير، يحيي الجيران، وبعض المارة الذين يدعوهم الى تناول بعض اللبن الطبيعي … ينهي صباحه في الحقل ليعود الى المنزل ليتناول الغذاء … يأخذ قيلولته … يستقيظ على اذان العصر، يصلي ركعتين ليتنقل لوسط المدينة حيث يتجاذب الحديث مع بعض ساكنة المدينة القرية..، يلعب البارتشي ..، لينهك ذهنه بعدما انهك جسده … يتناول وجبة العشاء ويؤدي فريضة الصلاة على عجل ، لينتقل الى عالم بدون احلام.
حياة جميلة، ممتعة وبسيطة … تلوثها السياسة … يدخل صديقنا عالمها مع حزب اليسار في عز الاتفاق بين ملك المغرب والمعارضة… رغم انه لم يكن معارضا، ولم يعرف من السياسة سوى المكر والخداع..، اصبح يجلس الى جانب اليوسفي واقطاب الاتحاد، رافعا شعارا ت دون ان يعرف
لها معنى لحد الان. يقرر في مصير امة وجيل ومستقبل ..، يوقع على اية وثيقة ولو كانت ورقة زبدة، دون ان يدري لها معنى…
في خضم هذه الحياة، يحافظ صديقنا على شيء واحد من حياة الفلاحة، الاستيقاظ باكرا للتنقل بين مشاريعه وقيلولته بعدما ينهك نهاره بالزوجات والسياسة والابناء والصراعات …
صديقنا نموذج حي لتخبط نفسية مريضة، أكبر ما يزعجه الكتابة … أكيد انه سيظل في هذه الليلة يتهجى القراءة … ثم يتهجى… لينام على كابوس.
لا شيء يضاهي أن يعجب قراء صفحة على شبكة التواصل الاجتماعي بخربشات روائي مبتدئ مثلي. فقد أصبحت أكتب على ادريس مضطرا تلبية لرغبات جمهور متعطش، ليتابع فصول سيرة ذاتية غير عادية، لأنها في الأصل أقل من عادية، لان بلد ادريس ومجتمعه بلد المتناقضات والنظام في نفس الوقت. لهذا فلم يكن انتقال إدريس من عالم الفلاحة والنخوة إلى عالم السياسة والفساد مسارا عاديا. فصاحبنا في هذه الرواية عرف من أين تأكل الكتف بالمعنى الدقيق للكلمة. أطلق أصابعه للتوقيع على كل وثيقة بمقابل مالي عندما اصبح أحد في مجلس أعيان المدينة التي لم تعد قرية، سرعان ما ظهرت عليه الثروة والتي تضاعفت عندما وقع على رخصة العمر. رخصة بناء 40 فيلا على وثيقة واحدة فوق مجرى واد الحلو وخرج منها سالما غانما. ضرب إدريس فرصة العمر واستثمر ما جادت به ” الرخصة ” من أموال في مجال العقار. اشترى سيارة جديدة مرقمة من خارج تطاوين، من الجنوب المغربي خارج عن مألوف أغلب أبناء الشمال عندما يغتنون من المال العام الذين يشترون سيارات مرقمة بارقام العاصمة، للتباهي في تنكر عهري لاصولهم…. ألم أقل لكم أن صديقنا، له مسار من نوع خاص.
في بحثه عن الحماية والملاذ الامن من تقلبات الدهر، سار مسارا اخرا مختلف أشد الاختلاف عن غيره أيضا، لقد تقرب من رجال القضاء الفاسدين الذين ولجوا المدينة حفاة عراة، فيما استعصى عليه نظرائهم النزيهين، كلما حاول التقرب اليهم بالمزايا والعطايا صدوه ونبذوه… حاول مرارا وتكرارا مرة قادم على متن سيارة مرسيديس الفارهة ليبن أنه من علية القوم، وتارة على متن حصان غير اصيل، اسقط من سبقوه الى قاع النسيان.
اصبح القضاء السوط الذي يهش به على كل البسطاء، أصبح هو ” يحيي ويميت “، عشعش في راسه المستطيل بسبب كثرة غبائه ” الدعوى، العون القضائي، الحبس “. انسان يتيم الفكر والطموح والحياة. تخيفه فقط الكلمات والقلم وماضيه وان يكون موضوع نقاش وثرثر
خرج صديقنا الملقب “ببوصنطيحة “، كما يخرج المارد من القمقم”ليصول ويجول في المدينة، ليثبت للأرض انه موجود فوقها وهي التي لا تعتبره حتى مجردة حبة رمل … لا شيء يضاهي ان تتلاعب بعواطف ومشاعر جاهل العقل والفكر، أن تداعبها ، أن تدفعه لان يعمل ما تود أنت ان تريده ان يعمل… دغدغة مشاعره ودفعه لاقصى درجات الاستياء… ثم ان تدفعه الى اعلى درجات التظاهر بالفرحة والسعادة … كم انت لئيم يا ديستوفسكي، ويا نيتشه ويا فرويد ويا جاك لاكان … انكم أوغاد لانكم علمتم البشرية كيف تتلاعب باخرى… لو عرفكم بوصنطيحة انكم احياء لارسل اليكم مفوض قضائي بتهم اهانته وتشويه سمعته .. لكن هذه الاسماء لا تجعله يفكر انها اكثر من ماركات لسيارات المانية من قبيل المرسيدس Mercedesو الاودي Audi وBMW..
لاشيء يضاهي حالته النفسية وهو يتهجى في القراءة… لا يعلم بانه لا يعلم وهذه المصيبة… لهذا فبوصنطيحه اشد ما يكره هو العلم ورجال التعليم وكل ما اتصل بهم ..، وأقرب الناس الى معدته، لان لا قلب له هم العرافين والمشعوذين… لهذا احاط نفسه بافضلهم في المدينة…
تداعب الكلمات بوصنطيحة … بوصنطيحة في التجارة والسياسة والفساد وأكل أموال الناس واليتامى … ولبوصنطيحة قصة … تروى لاحقا.