من بلاد الرافدين أقلام تكتب وتستمر لآخر نفس ، عثرنا بالصدفة على فيديوهات يتحدث فيها كاتب عراقي عن نتاجه الأدبي’ وشغفه بالمقالة وعالم الجرائد ورائحة الورق ، أصدر عديد الكتب وأنفق مالا كثيرا والعائق الكبير كان التوزيع ، استغل الكاتب ناجح صالح الوسائط الإلكترونية وهو من مواليد الأربعينيات ، وممن تذوق الأدب التحفة ، استضفناه حتى نفهم منه الشيء الكثير في مجال الكتابة والأدب
* مصطلح حديث متداول عند ضيفنا أ.ناجح صالح وهو أدب التحفة***كيف جاءت هذه التسمية ولمن تمنحونها من الأدباء؟
– ناجح صالح: في الواقع ليس هناك ثمة مصطلح يسمى أدب التحفة ؛ وحينما كتبت مقالة التحفة بعد أن استذكرت رواية الأديب الفرنسي أميل زولا التي قرأتها منذ سنوات بعيدة فأرتايت أن كل عمل مبدع في الأدب أو الفن أو العلم هو تحفة يستحق صاحبها الإشادة به وتكريمه ؛ أما عن الأديب المصري نجيب محفوظ فهو علامة فارقة في قصصه ورواياته التي استحق عليها جائزة نوبل .. وأنا شخصيا تأثرت كثيرا بنجيب محفوظ منذ أن قرأت له رواية السراب في بداية عهدي بالقراءة ثم رحت أقتني كتبه الأخرى ( خان الخليلي ؛ القاهرة الجديدة ؛ زقاق المدق ؛ الثلاثية ) حتى ضمت مكتبتي جميع كتبه ؛ والجدير بالذكر أنني كنت اكتب نقدا ادبيا كلما فرغت من قراءة كتاب له وارسله الى الصحف البغدادية ..وكان ذلك ألبداية في كتاباتي في مطلع الستينيات وانا طالب في الجامعة . . اما المعايير والمواصفات التي تجعل من الأديب نجيب محفوظ تحفة لا تقدر بثمن فهو اسلوبه المميز بنكهته وحلاوته وقوته بحيث يجلب القاريء الواعي الى كتاباته ؛ علاوة على ثقافته الواسعة وإطلاعه على الأدب العالمي ليصقل بها موهبته التي فطر عليها ..لذا لمع إسم نجيب محفوظ أكثر من غيره في فترة كثر فيها الأدباء ومنهم كتاب القصة والرواية في فترة الخمسينيات والستينيات التي اعتبرها الفترة الذهبية ؛ كانت وسائل الإعلام المصرية وخاصة الصحف تنشر نتاجات الأدباء كما كان تكريمهم ومنحهم الجوائز من قبل الدولة حافزا قويا للمواصلة والإستمرار . أما الوضع الحالي للوصول إلى مصطلح أدب التحفة فاجد فيه الكثير من المفارقات ومن الصعب التكهن بنتائجه ؛ ورغم أن الساحة لا تخلو من ادباء مبدعين يحتاجون الى دعم وتشجيع من قبل الدولة واتحادات الادباء إلا أن الجو السائد هو جو مضطرب ليس فيه المواصفات التي كانت عليه من قبل . لقد تغيرت جميع المقاييس والرؤى وأصبح البعض يحتاج الى واسطة مفتعلة تدفعه لتحقيق هدفه وإلا ظل في مكانه لا يتقدم خطوة رغم مهارته .
*تترقبون صدور كتاب يمثل دعوة الجيل للقراءة في زمن طغت فيه التكنولوجيا وبكبسة زر واحدة يمكننا تصفح عديد الكتب الإلكترونية._ماهي آليات إقناع المتلقي لإحتضان الكتاب الورقي؟
ناجح صالح:حينما نبدأ القراءة في عهد مبكر من حياتنا سنجد أنفسنا في رحلة تطيب لنا ليصبح الكتاب مرافقا لنا كصديق لا يمكن الاستغناء عنه ..وفي السنوات التي خلت كان جيلنا يهوى القراءة بل إننا كنا نجد في الكتاب متعة لا تضاهيها متعة اخرى ؛ وكانت المدرسة تشجعنا على القراءة وكان المنهج الدراسي في حينه دسما تعلمنا منه الكثير وكانت الكتب وخاصة الأدبية متوفرة في الأسواق وعلى الأرصفة وفي المكتبات وباسعار مناسبة ؛ فكان الكتاب يملأ علينا أوقاتنا بعيدا عن الفراغ في وقت لم يكن التلفاز منتشرا كما أن الانترنيت كان مجهولا ..اما جيل اليوم فبات اكثره مهووسا مع هذا الجهاز السحري ولا تمس يده الكتاب ؛ لذا فثقافته محدودة بعد أن يقضي جل وقته بلهو وعبث ؛ والأحرى بكل أسرة أن تتابع ابناءها وتوفر لهم الكتب ليزدادوا معرفة وعلما وثقافة ..هذا كانت الأسرة واعية ..كما أن الدولة لها العبء الأكبر في هذا الصدد بتوفير المكتبات العامة وتشجيع الناشئة بكافة الوسائل واجراء مسابقات تتوفر فيها الفرص ومنحهم الجوائز . وليت أبناء مجتمعنا عموما يقلد الغرب في ظاهرة القراءة سواء في المواصلات أو في المنتزهات ليكون الكتاب هو الانيس فيكسب به علما نافعا ..أجل ليتهم يفعلون ذلك فتصبح القراءة ادمانا لا غنى عنه ..إن مجتمعنا العربي بأشد الحاجة إلى تنوير العقل ليكون سباقا في كل مجالات الحياة .
*:تابعنا برنامج كاتب وكتاب في عديد الحلقات وأنتم تروجون للمنتج الأدبي هنا إستغلال التكنولوجيا .._متى تكون التكنولوجيا مفيدة للكاتب العربي؟
ناجح. صالح: / برنامج كاتب وكتاب الذي جاء في الفيديوهات بالصورة والصوت لم يكن استغلالا للتكنولوجيا بقدر ما هو ضرورة للتعرف على كنبي الأدبية التي اصدرتها بنسخ قليلة وزعتها على أرباب الصحف وعلى الأصدقاء ولم أضعها في مكتبة ولم يكن ثمة ناشر لتوزيعها ولم تدر علي ربحا بل أنفقت المال لطبعها ولم يكن لي اي دعم حكومي ولا اي دعم من اتحاد الأدباء الذي أنطوي تحت خيمته ..لقد غامرت في سبيل نشر نتاجي الأدبي بدلا من أن يبقى مركونا على الرف أو متفرقا على الصحف ..وقد جاءت فكرة الفيديو من لدن صديق مصور أشار علي بفيديوهات لكتبي المطبوعة اتحدث فيها عما يتضمنه كل كتاب ؛ وبلغ عدد الفيديوهات ( ١٢ ) فيديو ..قمت بعدها بنشرها في عدد من المواقع وعلى صفحتي الخاصة فنالت الكثير من الإعجاب من لدن الأصدقاء والمتابعين ..وكل كاتب يحب أن يرى ردة فعل القاريء لما يكتب ؛ إنه عمل مشروع ليس فيه أي استغلال للتكنولوجيا التي وفرت لنا هذه الطريقة للنشر ؛ والواقع أنه قبل هذه الفيديوهات بعام كنت انشر مقالاتي في عدد من الصحف ومنها جريدة عرب نيوز التي أشار علي صاحبها بأن اتحدث عن كتبي في الإذاعة التابعة لهم في نفس المبنى ؛ واستمرت احاديثي في ثماني حلقات وأن يكون اللقاء أسبوعيا على البث المباشر ؛ وكان كل لقاء عبارة عن حوار بيني وبين المذيع على صيغة سؤال وجواب بما يحتويه كل كتاب .. وقد نشرت في حينه بعض هذه الفيديوهات الإذاعية على صفحات التواصل الإجتماعي وبالصوت فقط بعد إجراء المونتاج عليها وقد لاقت ترحيبا من المتابعين . وهذا الأمر أصبح في السنوات الأخيرة شائعا ومتداولا لكثير من الكتاب لعرض نتاجهم على القراء في صفحات التواصل الإجتماعي بعد أن أصبح الكتاب الورقي مهجورا بإستثناء القلة.
*:فوضى المشاعر عند ضيفنا في المقاربة بين قصة الحب في الماضي والحاضر ورسالة لم تصل _ماهي منجزاتكم في الكتابة الرومنسية؟
ناجح صالح: رسالة لم تصل هي قصة نشرتها في موقع للمشاركة في برنامج ( بوح الصورة ) ونالت التكريم بشهادة فخرية ؛ وهذه القصة هي تجسيد للحب النقي العفيف في تلك الأيام التي خلت …أجل لقد كتب الرسالة بدفء مشاعره وخفقات قلبه ولكنه يعلم أن رسالته لم تصل ولن تصل إلى من يهواها وسط أجواء قاسية لا ترحم وترى في الحب عيبا ؛ أما الحب في أيامنا هذه فقد تحول إلى لهو وعبث بل الى فخ لتقع الفتاة ضحيته ولتدفع الثمن غاليا وخاصة على صفحات التواصل الإجتماعي ؛ فما أن تتحقق الصداقة بين الفتى والفتاة حتى تبدأ همسات الحب من لدن الفتى فتطرب الفتاة لعبارات الغزل التي تسمعها لأول مرة فتنطلي عليها هذه الأكاذيب في حين أنها لم تعرفه ولم تره في حياتها ويتطور الأمر احيانا الى لقاء بينهما في خلوة من الخلوات ليقع المحذور ..فأي صداقة هذه التي آتت أكلها بفضيحة تندم عليها بقية عمرها ولا ينفع ندم ..!
أما عن الكتابة الرومانسية فقد كتبت الكثير من هذه القصص تصور الحب في أعلى مراحله وفي عفته ونقائه وجماله ؛ بل إن بعض هذه القصص هي مستوحاة من الواقع كقصتي ( لقاء في الغربة ) التي تجسد مدى العاطفة القوية بين قلبين لم يتوج حبهما بالزواج اذ أن التقاليد فرضت على الفتاة أن تتزوج بمن اختاره الأب ثم ما يلبث الفتى أن يتزوج بعد سنوات ؛ ويشاء القدر أن يلتقيا في بلاد الغربة بعد مضي عشرين عاما ..لقد هاجرا من موطنهما بسبب الأحداث الساخنة فهي قد هاجرت بعد أن اغتيل زوجها أما هو فقد هاجر خوفا على حياة أسرته ..وفي لقائهما هذا يتحدثان عن مشاعرهما الجياشة ثم يطلب منها أن يلتقيا بين حين وحين كصديقين لتقول له : وهكذا يتحول الحب الى صداقة ؛ وحين يودعها يشعر بوخزة في قلبه بينما هي تمضي والدموع تنهمر من عينيها . وفي قصتي ( خطابات في دوامة ) تتلاقى الرومانسية مع الواقع أيضا في أجواء ساخنة غمرت أرض الوطن ليهاجر الزوج بمفرده الى الخارج لتأتي هذه الخطابات حزينة مؤلمة وفي دوامة كأن لبست لها نهاية
. أما مقالتي عن الروايات الرومانسية فهي تتناول بحثا مستفيضا عن الروايات العربية والعالمية التي إتسمت بالأحداث الرومانسية كرواية بعد الغروب وشجرة اللبلاب للأديب محمد عبد الحليم عبد الله ورواية الوسادة الخالية ورواية أين قلبي وغيرها من الروايات للأديب احسان عبد القدوس ورواية السراب ورواية خان الخليلي للأدب نجيب محفوظ ورواية آنا كارنينا للأديب الروسي تولستوي ورواية ينابيع الحب للأديب الروسي تورجنيف ورواية صفحة حب ورواية التحفة لأميل زولا ومسرحية روميو وجوليت لشكسبير وروايات آخرى لأدباء متعددين ؛ وقد نالت هذه الروايات على عهدنا إقبالا واسعا.
* (أن مسؤولية القلم مسؤولية لها ثقلها فلنكن منصفين فيما نكتب من غير انحياز الا اذا كان انحيازا للحق ضد الباطل وللعدل ضد الظلم وللجمال ضد القبح) نرى أن مقولتكم تنفي حرية الفكر الخاطرة التي كتبتها عن مسؤولية القلم لا تنفي حرية الفكر إذ الإنحياز الى العدل والحق والجمال هو ما يجب أن تتميز بها حرية الفكر بعيدا عن الأساءة إلى أخلاقنا ومثلنا وقيمنا . إن حرية الفكر بجب أن تكون لها مواصفات وإلا اخلت بقواعد المجتمع وسلوكه وأحدثت فوضى لها عواقبها ؛ إن الفكر الحر هو واجهة عريضة للتعبير عما يدور في أذهاننا وافكارنا لنصل الى طريق سوي مستقيم يودي إلى النهضة والتقدم ؛ أما إذا عبثت به إطروحات غثة فليس له من مخرج إلا الإساءة لرموز طالما أعتبرناها نهجا صائبا . ولو تناولنا بعض ما طرحه أدباء ومفكرون وفلاسفة عن حرية الفكر لوجدناهم نطقوا الصواب ؛ فهذا العقاد يقف الموقف الرصين في كتاباته في كل القضايا التي طرحها ..إنه فكر حر لم يتهاون عن قول الحقيقة وانتقد كل السلبيات التي لها ضررها على المجتمع فإنحاز الى العدل والخير والإصلاح باحثا عن الجمال في كل مكامنه ؛ وهذا طه حسين عميد الأدب العربي كم له من الأفكار الحرة في الكثير من كتبه واطروحاته وهو الذي دعا أن يكون التعليم مجانا كالماء والهواء وكم دعا الى نصرة الضعفاء ؛ وهذا الدكتور علي الوردي عالم الإجتماع العراقي والذي تتلمذت على يديه لم يكن يخشى في الحق لومة لائم ..كان يدعو الى الإصلاح والى محاربة الظلم والفساد وكان ينتقد على الدوام الخرافات والتعصب الأعمى ويدعو الى العلم والمعرفة ؛ وهذا فولتير المفكر الفرنسي الشهير تراه حارب وانتقد الكنيسة على مظالمها وعاب على النبلاء والحاشية فسادهم حتى تجرأ على إنتقاد الملكية فنفي الى خارج بلاده .. وهذا روسو ومونتسكيو بكل الآراء والأفكار التي طرحوها هو ما مهد لقيام الثورة الفرنسية عام ١٧٨٩. فالفكر الحر الذي يسعى الى جمع الشمل والى الوحدة والى الأصالة هو ما يحقق هدفه بعيدا عن التعصب والجهل والتخلف وعن كل المساويء التي تعصف بالمجتمع . . ومما يؤسف له أن البعض ممن يدعون العلم والمعرفة يكشفون عن سوء طويتهم في لقاءات تلفزيونية ويطعنون بطرف خفي رموز الأمة ويتجراون على المقدسات بدعوى أنهم من أنصار التنوير والتجديد …فبئس ما يقولون وبئس ما يطرحون …وما أراها إلا هجمة شرسة على تراثنا وحضارتنا وسلوكنا .
*القصص في القرآن الكريم وما نتابعه من قصص لقصاص عرب متى يقول أ.ناجح أن هذه القصة قوية ؟ _مارأيكم في القصة العراقية ؟
ناجح صالح:أصدرت كتابا قبل سنوات عنوانه ( أحسن القصص ) أتناول فيه قصص الأنبياء المذكورين في القرآن يختلف تماما عما جاء في التفسير حيث تحدثت عن كل نبي مستشهدا بالآيات القرآنية التي تذكره بهذا الخطاب الرباني البديع الذي له سحره على النفس والقلب والروح ..وقد لبثت أكثر من شهرين دون توقف أتأمل واتفحص في الآيات القرآنية كي أعطي الكلمة حقها . والواقع أن القصص القرآنية توفر لمن يمتلك موهبة القصة الكثير مما يحتاجه من أدوات هي فاعلة في طرحه للقصة ..وعلى سبيل المثال لا الحصر قصة النبي يوسف التي تبهرنا بأسلوبها ولغتها وحبكتها ؛ وكذا الحال في قصة مريم وقصة أهل الكهف وغيرها من عشرات القصص .أما عن القصة التي يكتبها الأدباء فهي تتفاوت من أديب إلى أديب ومن بيئة الى أخرى ..فالبعض قد أجاد وأبدع وبعض آخر لم تتوفر فيه المواصفات التي ترافق القصة ؛ أما القصة العراقية فلا أراها بأفضل مما كانت عليه في فترة الخمسينيات والستينيات ؛ واذكر ممن برزوا في هذا الميدان الأديب غائب طعمة فرمان في رائعته ( النخلة والجيران ) والأديب عبد الرحمن مجيد الربيعي في روايته ( الأنهار ) ومجموعته القصصية ( السيف والسفينة ) ومجموعته القصصية ( القمر والأسوار ؛ وثمة كتاب نشروا انتاجهم القصصي في الصحف دون أن تكون لهم كتب مطبوعة . وعموما فآن القصة العراقية تأخرت عن الركب في السنوات الأخيرة لعدم توفر الدعم من قبل الدولة أو من إتحاد الأدباء وعدم الإقبال على القراءة حتى بين أوساط المثقفين ..وبات من له موهبة القصة ينشر نتاجه على صفحات التواصل الإجتماعي دون أخذ الاعتبار بأن مساحة وبعد الكتاب الورقي يبقى أثره أكثر من النشر الألكتروني . ومن الجدير بالذكر أن أكثر المواهب الأدبية والعلمية غادرت العراق في السنوات العشرين الأخيرة بسبب حوادث العنف التي خيمت على الأجواء ؛ وبذلك تشتتت هذه المواهب ولم يعد يجمعها رابط .
*:المقالة الإجتماعية ترصدون فيها ظوهر في المجتمع العراقي وتبدون فيها الرأي -هل اختلت التوازنات في المجتمع؟ -كيف ترون الحلول؟
– كانت دراستي في كلية الآداب هي علم الإجتماع ؛ وكان من يلقي علينا المحاضرات أساتذة لهم وزنهم..وكان الدكتور علي الوردي هو من يقوم بتدريسنا مادة المجتمع العراقي لأربع سنوات متتالية فإستفدت منه كثيرا في كل المقالات التي كتبتها عن الظواهر الإجتماعية كالإنحراف والتفاعل الإجتماعي والتفكك والعلاقات الأسرية ، وقد كان مجتمعنا العراقي من قبل يتميز بالعلاقات الإجتماعية القوية والترابط والانسجام وخاصة المجتمع الريفي حيث القرابة ورابطة الدم والتقيد بالعادات والتقاليد ومشاركة المرأة مع الرجل في الحقول الزراعية . ومع هذا وذاك فإن الكثير من السلوكيات قد تغيرت في العقود الثلاثة الأخيرة واصاب العلاقات الإجتماعية خلل كثير فسادت الإثرة وحب الذات والمصالح الشخصية ؛ بل إن نمط الحياة قد تغير الى الأسوأ وسط أجواء صعبة معقدة منها اضطراب حبل الأمن وفقدان سيطرة الدولة على حماية رعاياها وأنه حتى الأسرة لم تعد تستطيع كبح جماح أبنائها ..لقد بات التقليد الأعمى يفرض نفسه على هؤلاء الأبناء ؛ أجل هذا التقليد بكل ظواهره السلبية بما فيه من سوء خلق وإرتداء ثياب غير لائقة لكلا الجنسين وكأن الوالدين لا وجود لهما . إنها أزمة أخلاق تعاني منها الكثير من المجتمعات ..اما أين يكمن الحل فالأمر يبدو اصعب مما نتوقع ؛ فهل يا ترى تقوم سلطة الدولة باتخاذ آجراءات رادعة تحاسب به كل من أساء بسلوكه ام انها تقف موقف المتفرج فلا تبالي بما يحدث من آنحرافات وهل يا ترى تشعر الأسرة بالمخاطر التي تهدد أبناءها وتحاول إصلاح ما فسد ! ويا ترى أين دور المدرسة التي باتت هي الأخرى بعيدة عن النهج التربوي والتعليمي! ثم أين دور رجال الدين في ترميم ما تداعى من إلتزامات ومواثيق وسلوكيات كانت من قبل كحجر أساس لا يتزحزح . وانا أرى انه يجب أن تبذل جهود جبارة من جميع الأطراف لإصلاح ما فسد واولها ما يترتب على سلطة الدولة من واجبات شرعية إصلاحية ومراقبة كل من يخل بالنظام والقانون والعمل بقاعدة الثواب والعقاب ؛ كما أن الأسرة يجب أن تقوم بدورها الفعال الواعي بهذا الصدد ..
*:(وتبقى الأمنيات محبوسة في الصدور , وما فات لن يعود.) -أخرجها عبر هذا المنبر،ماكانت هذه الأمنيات؟
– وتبقى الأمنيات محبوسة في الصدور وما فات لن يعود ) هي خاطرة دونها القلم في وقت الصباح …والواقع أن الكثير من الأمنيات كنا نتمنى تحقيقها لكن لأسباب عديدة لم تتحقق وظلت كالحلم يمر عبر الخاطر ..امنيات وامنيات كانت تراودنا وتشغلنا منها أن يرتقي وطننا الرقي الذي يسبق به الأوطان وتكون لنا مكانة عليا بين الأمم وأن يسود العدل والحق والجمال في ربوع هذا الوطن ويعود إليه تألقه ونضارته وعنفوانه …هي امنيات للوطن ..اما الأمنيات الشخصية فليس أكثر من أن يظل الحب قائما مع الأحبة والخلان ؛ غير أنه حدث ما يعكر صفو هذه العلاقات لأسباب واهية ..وكنت أتمنى أن أحقق ما اصبو إليه واطمح أن يكون لي صدى أكبر في مسيرتي الأدبية وأن توضع كتبي في المكتبات بعد أن يتولاها الناشر بطبع مئات النسخ وليس بعشرات كما أفعل الآن واقوم بتوزيعها على الاصدقاء ..أنها عملية حسابية ومعنوية خاسرة . واما الذي مضى لن يعود فهو حقيقة لا يمكن نكرانها أو تجاهلها بحلوها ومرها ؛ بلينها وشدتها ؛ بقساوتها ولطفها ..وأنها تبقى ذكريات تلازم النفس والقلب والروح بما فيها ذكريات الطفولة البريئة الجميلة وذكريات الصبا والشباب بمرحه وحلاوته ؛ وذكريات أيام الخطوبة والزواج وتربية الأبناء..ذكريات وذكريات لا تنسى ولكن يبقى ما مضى بأنه لن يعود …وآخر أمنياتنا أن يرحمنا الله برحمته الواسعة وأن يكون حسن الختام هو إخر عهدنا في هذه الدنيا العابرة.