سقط القلم من يده متعبًا ؛ من جراء جريه المتواصل فوق أوراقه البيضاء المسطرة بأحرف كلماته الأخيرة من قصته القصيرة جدًا (موت المؤلف).. ظل يجفف عرقه المتساقط منذ أن بدأ القلم يجرى فوق الورق ..
مبتسمًا .. أرجع رأسه إلى الوراء سعيدًا غاية السعادة بانتهاء قصته ..
لحظات قليلة وراح يحدق في سقف حجرته وهو يهمس في صمت وسعادة :
– الحمد لله .. الآن قد أتممت قصتي القصيرة ..
فجأة ..
سقط أمامه رأسه المثقل بالكثير والكثير من الأفكار التي لم تكتب بعد ، ولهذا كثيرًا ما كان يحدث ملك الموت المتربص به دوماً ، ويرجوه مبتسماً :
( أرجوك يا صديقي ، أعلم بأنه ليس لديك أصدقاء أو أحباب ، ولكن اجعلني صديقك لفترة .. لفترة قصيرة ، وبحكم صداقتنا حديثة المولد ، أرجوك تمهل قليلاً .. أمهلني بعض الوقت الكافي .. فما زال لدى الكثير والكثير من القصص القصيرة طازجة الأفكار والتناول لم أكتبها بعد ، ولم يتطرق إليها أحد .. فهل توافقني صديقي ..؟!! أجبني)
دومًا كانت الإجابة عن سؤاله .. ابتسامة على شفاه ملك الموت .. ثم اختفائه السريع المفاجئ دون أن يروى ظمأ سؤاله .
شعرت الزوجة بهدوء غريب وغير معتاد ، أسرعت إلى صومعة الأديب الذي كتب على باب حجرته عبارة ( حجرة الشفاء من كل داء) دقت الباب دقات خفيفة،عاودت دق الباب بشدة،كادت أن تصرخ فرحة من هول ما رأته،بعدما تأكد لها من موت زوجها المبتسم ، أمسكت بتليفونها المحمول لتخبر عشيقها بموت زوجها..ذاك العشيق الذي علمه الأديب فن الكتابة ، ولم يبخل عليه بجهده أو بماله ، ثم قامت الزوجة بالاتصال بابنها الوحيد الذي سعد هو الآخر بسماع الخبر فأسرع بدوره بالاتصال بخطيبته :
– أخيراً يا حبيبتي سنتزوج ، أخيرًا مات أبى ، على الفور سوف أعود إلى البيت كي أتخلص من كتبه التي استعمرت ثلاثة حجرات بأكملها من مجموع خمس حجرات ، أخيرًا سوف يكون لنا عش الزوجية .
أغلق التليفون ..
عاد مسرعًا إلى بائع الكتب القابع أسفل العمارة ليخبره بموت أبيه ، ولم يعد هناك لزومًا لمكتبته ، وطالبه أن يأتي لشراء الكتب بأي ثمن يشاء ، حتى وإن لم يتوفر المبلغ فحين ميسرة ، فليس بين الخيرين حساب ..
تبسم بائع الكتب .. فكم تمنى شراء مكتبة المؤلف منذ زمن ، وكم من مرة عرض عليه شراءها بأي ثمن يشاء فكان رد المؤلف دائمًا جاهزًا على طرف لسانه :
( لقد أوصيت زوجتي وابني بدفنهم معي في قبري ..)
أسرع بائع الكتب بدوره بالاتصال بأحد النقاد (الملاكي .. المأجورين) الذي كان يتمنى موت المؤلف ؛ حتى يتسنى له نشر ما كتب عنه .
حزينة ..
باكية ..
خرجت أحرف كلمات المؤلف من دفاتر أوراقه القديمة والحديثة ، تلك الأحرف التي كتبها وقرأها ؛ لتغسله وتكفنه
بعدما سمعت كل هذه المؤامرات التي تحاك حول المؤلف..
غسلوه ..
كفنوه ..
ثم اصطفوا ليصلوا عليه ، ثم فروا مسرعين هاربين من البيت حيث مكان دفنه ينتظرون قدومه ؛ ليعيشون معه في قبره كما كان يحلم ويتمنى .