في هذه المجموعة ( المحجر)(2) يعود محمد خضير إلى بداياته القصصية ، فقصصه الأولى ( النيساني ، و رأس مقطوع يتكلم ، إله المستنقعات ، المهرج و الأميرة السوداء) و كيف انحاز في كتاباته تلك إلى الناس الذين يعيشون في قاع المدينة.
هنا في هذه المجموعة ينحاز إلى شباب انتفاضة تشرين 2019 و يتعمد استخدام مفردات استخدمها هؤلاء الشباب ( نعل / لافته / كارتون / شص / التوك توك و التوكتوكيين / السّيبرانية ./ ترموس,.)
و كعادته يضعنا في مقابلات أو ثنائيات الأشياء المتضادة التي تحيلنا إلى ثنائيات (أبو حيان التوحيدي) في كتابيه ( الأمتاع و المؤنسة و مثالب الوزيرين) ؛ (النوم ــــ اليقظة / الواقع ــــ الحلم / البرج ــــ النفق / الحجر ــــ الحجز / الاختطاف ـــــ الأسر/ السجن ــــ العزل/ الحراسة ــــ المراقبة /الضباب ـــــ الوضوح / السارد ــــ القرين ..) أو في مقابلات تبدو لا رابط بينها ( الثوار الألمان الذين اسقطوا جدار برلين و ثوار تشرين أو ثوار كومونة باريس مقابل ثوار الجسر..). يشير إلى من كتب عن الثوار و ما صاحب تلك الثورات من عنف و قتل ، و يضعنا أمام تلك التجارب الذي يجمعها مطالبات اللغة و محاولة انتزاع حقوق مستلبة و التوق إلى الحرية .
اختفت اللغة الشعرية في هذه المجموعة و التركيز على السرد ، سرد رصين و يطمح بأن تكون تجريبية (لن تتلكأ القصصُ أمام مِتراس المواجهة القديم، وستنحو نحوَها التجريبيّ بما يضعُها في قلب المغامرة تغير مواضع الأقدام . وتجديد الأفكار، ونقل الحدث التشريني
(1) المحجر ــــــــ محمد خضير ـــــــ قصص / دار شهريار للنشر والتوزيع / بصرة / 2021
(2) كتبت هذه القصص التي حرص محمد خضير على تذيلها بتواريخ بين ك1/2019 ــــــــ ك1/2020 بستثناء المقدمة التي كتبت في ك2/2021
(3) المحجر ص13
المجموعة تضم مقدمة تشكل وجهة نظر محمد خضير في هذا الاستهلال التوضيحي ( توازيات و تقاطعات قصص تشرين ) ، أراد بها أن تكون مقدمة توضيحية و من وجهة نظري أن أي كتاب قصصي لا يحتاج إلى توجيه القارئ ، و لعله احس بغموض بعض نصوصها وتغربها مما جعله يضع لها هذا التوضيح .
قصص المجموعة فيها (تحت الجسر والنفق والبرج والصحفي والمحجر والناقوس) ، وقسم تحت الجسر؛ 1.المنقبون 2. الاجتماع 3. الاختطاف 4. التحقيق 5. الجصّاصون 6. تحت الجسر..) و هي أطول قصص المجموعة من ص19 ــــــ 65
زينت المجموعة بلوحات إلى (شارا رشيد) تعكس صور الجدران وأناشيد الخيام و قنابل الدخان و محاولات الاقتحام للوصول إلى المنطقة الخضراء. زادت من غموض المجموعة فهي ليس لوحات تفسيرية أو توضيحية ..
قصص المجموعة تبدأ من الحجر و متراس ثم من هاجس عميق في (البرج) و هي ثيمة عميقة تعتمل بين الضلوع العارية أثيرة لديه نجدها سابقاً في رؤيا خريف و رؤيا البرج ، و هو يقصد بها (المطعم التركي) التي احتلها شباب الانتفاضة و جعلوا منه مقراً لهم .
و استخدم ضمير (انا) يعد التفاته ذكية فهي تعني المشاركة في الحدث .
ينحو في قصصه الست باتجاه تجريبي و محاولة نقل حركة التشرينين ابعد من و ضعها المحدد و هذه مهمة المثقف الجاد و إلباسها ثوب الرمز و إعطاء أدوات الشباب شعاراتهم و صور الجدران حيز في النص و حتى أغاني المتاريس و الخيم فالحتميون كما اطلق عليهم ، يقع عليهم عبء التغير و في نفس الوقت حاول بناء نص مختلف عن تجارب من كتب عن الثورات وكذلك أدباء و سياسيون مع كتبهم (مكسيم غوركي ــــ ألام ، جون ريد ــــ عشرة أيام هزت العالم ، و شتاينبك ــــ عنالقيد الغضب و جاك لندن ــــ العقب الحديدية و جبرا ابراهيم جبرا ــــ صيادون في شارع ضيق و دستويفسكي ـــــ الأخوة كرامازوف و فرانز كافكا ـــــ المحاكمة و مارا صاد ـــــــ بيتر فايس و ايما سكاي ـــــ الانهيار و مذكرات بريمر و حنّة أرندت ـــــ في الثورة و أخرين) .
وفرش على سطح هذه المجموعة إسماء أعلام و أدباء من شتى بقاع العالم (و ليم غولدنغ و إدغار ألن بو و جورج أورويل و فرويد و ماركس و نيتشه و فوكوياما و هنتنغتون و التوسير و ديريدا و جيجيك و ديرك كلاص الاب و ديموستين و روبسبير و جان جاك روسو و لينين و رفعت الجادرجي و فرانسيس بيكون و..) .
و هو يتجنب الاغتراب القصصي الذي طبع بعض قصصه في فترة سابقة وحاول ان يتخلص من المباشرة وعبء الغموض في ( تحت الجسر). إلا أنه يعود في ذكر الأشخاص التاريخية القريبة والبعيدة فيذكر (طه باقر) على لسان (فارس الصفواني) المهندس الثائر وهو احد شخوص القصة الذي يذكرنا بأديب بصري قديم ( سليمان الصفواني ) و كذلك يذكر (خالد فارس زكي) الذي قتل في حركة الأهوار على لسان المصور(شاهرالشاهريّ) وهو من أبطال قصة تحت الجسر . مما يعيدنا إلى طريقته السردية في رؤيا خريف في استحضار أشخاص من التاريخ القريب و البعيد كـ(دموزي و ارشيكيال) و جزء من هذه القصة مبني على الحوار قد يعكس أفكار محمد أكثر من واقعية الحوار في التحقيق أو ظروف كظروف الثوار .
أما في قصة النفق فيعودبنا إلى اكتشاف المتاهات و الأبراج و الأنفاق و الجسور فكتشاف أبواب في نفق تؤدي إلى النهر أو المقبرة أو قصر أو سور و هي رموز يحاول أن يوظفها .
أن الحكاية في هذه المجموعة (المحجر) متشظية ؛ فثيمة الصحفي تتحول إلى دار المسنين و المرأة المعمرة ، و النفق الذي يجد السارد نفسه فيه يتحول السرد إلى فتاة محاصرة بالنفق، فالحكايات هي شطر حكايات غائمة الملامح ذات نهايات ضبابية ، بستثناء (3 ـــــــ الاختطاف و4 ـــــــ التحقيق) من قصة (تحت الجسر) ، تبدوان خارجتين عن سياق قصص المجموعة فهما قصتان لهما بداية و وسط ونهاية تعيدنا إلى القصص التقليدية و حتى حوارهما المختزل يشي بذلك .
أما في (6 ــــــ تحت الجسر) يسترسل في حوار طويل بل تكاد أن تكون قصة مبنية على الحوار ذات نهاية مأساوية .
و يذكر في التحقيق على لسان (شاهر الشاهريّ) ص46 الشخصية الرئيسة في قصة تحت الجسر؛ (في عام 1984 بعد تخرّجي من أكاديمية الفنون ذهبت لإكمال الدراسة في إيطاليا ، لكنّ صديقاً أغراني بالانتقال إلى إسكندنافيا . انقطعتُ عن الدراسة والتحقت بمنظمة تهتم للمهاجرين اللاجئين ..) . لقد توقف أرسال البعثات الدراسية للخارج بسبب الحرب العراقية الايرانية (1980 ــــــــ 1988) ، ثم يعود في (الجصاصون) ويخبرنا انه كان في السجن و المعروف في تلك الفترة أنّ المحكوم لا يعطى له جواز سفر .
يذكر في قصة (الصحفي ، ص88 ) بجرأة مقتل المراسل التلفزيوني (احمد عبد الصمد) مراسل القناة التلفزيونية دجلة الذي اغتيل يوم 10/ك2/2020 إلا انه لم يذكر زميله المصور (صفاء غالي) الذي اغتيل معه .
وضع أسماء ( المنقبون والجصاصون و العنكبوت و المناجد و السحالي و المُخَوَّذة و قثم) بقيت عائمة في النص تبحث عن صوتها وقد تنبه محمد لهذا الأمر وطلب إلى من يعلم أكثر ملء فراغات النص، و قسم التي أوضحها (انبثاق اتحاد القوى الثورية المتحدة) . وكذلك تبدو شخصية (الخالة) مرتبكة فمن ناحية انه استأجر غرفة لديها ( لكي يستعيد وجه المرأة التي يؤجّر غرفة في بيتها ص39)،(سمحت صاحبة البيت بأن يفتّشوا غرفته لديها ص39) ومن ناحية أخرى تحمل (ترموس) الشاي وقت مواجهته في السجن .(قالت الخالة :كانت هي من تخدر الشاي و توكل لي حمل الترموس وقت مواجهتك في السجن ص50).
المحجر صنفها محمد خضير كقصص قصيرة إلا أنها في محتواها السردي تسير نحو الرواية القصيرة ( (novellaالتي تختصر على شخصيات قليلة مؤثثة عبر سرد في زمن محدد فالشخصيتان الرئيستان ( شاهر الشاهريّ و فارس الصفواني) ينتقلان في كل القصص حتى وان لم يتم ذكرهما بالاسم ، صحيح انهما يختفيان في بعض قصص إلا انهما حاضران بقوة في روح السرد مما يجعل هذه المجموعة القصصية اقرب إلى الرواية القصيرة فلبوسها روائي تقوم بالدورين معاً (قصة قصيرة و رواية) فمعظم بنيتها السردية تشي بذلك لكن محمد يتجنب الخوض في كتابة الرواية .
تكمن الجرأة في أن تكتب عن تظاهرات تشرين 2019 بذلك يسبق المحللين و المنظرين في استشراق هذه الحركة الثورية و يزيل الغموض و التصور عن أن الأدباء مبتعدون عن الشعب . أنها بادرة تحسب إلى محمد خضير اذ يكتب عن حدث حيوي ومستمر ..