ألمح من خلف رذاذ الضوء الأزلي
زهرة فوّاحة تتلألأ في أقاصي السموات.
*******
عندما يصهل التراب
تنفجر الينابيع
من بين ثنايا صخور الجبال
ومن بين مسامات الصحراء.
*******
فلاح
يرضع من ثدي الأرض
يلتهم خبز التنور المقمّر
من يد أمه
ويتلو مزامير السنابل
أمام محراب أزلية الكلمة.
********
أقف على الخيط المضاء
المشدود
ما بين أنصال الزمهرير
وظلال الرياح
أرتل ترانيم الغربة والحنين.
*******
وطني
حلم يتلألأ في ذاكرة التاريخ
رنين على أوتار قلبي المعنّى
مصلوب على آية السيف.
*******
كلما أمعنت النظر في مرآة طفولتي
أرى شعاع الله
يتوهج في أعماق ذاتي.
*******
يومض البرق من بين ثنايا الغسق
كانبثاق الضوء من ذاكرة الثور المجنح
وكشهقة الوردة تحت صليل الندى
قبيل بزوغ الفجر.
********
أنا…
نزيف الجرح على قارعة السحاب
أتموّج بشلالات من الفواجع والنكبات
منذ سطوع الضوء الأسود
وحتى هبوب عواصف الصحراء.
******
كلما ابتعدت عن ظلال الله الوارفة
كلما اقتربت من كنوز الأسئلة المحفوفة بالمخاطر
والتقيت بالشيطان وجهاً لوجه
بدون رتوش أوبراقع مرعبة.
*******
افترشت أزاهير الثلوج
والتحفت زنابق المروج
وغفوت على سجادة الريح
واستيقظت قبيل بزوغ الفجر
على أنغام وتراتيل الآلهة.
*******
مضيتُ في دهاليز البحر
ميمماً وجهي نحو منارة الشروق
فشممتُ أريج الانفجار الأزلي
ينبعث من مغارة مهجورة
في أقاصي أخاديد الأرض.
*******
أمتطي صهوة جواد العاصفة
أنطلق إلى ما فوق سحاب السموات
حيث مدافن كنوز أساطير الأولين
عند سدرة المنتهى
فلا أرى سوى دود الأرض
يتسابق نحو المقابر المزخرفة باليواقيت.
*******
أهل هناك متسع للآلام في قلب هذا الشعب المعنّى؟
على امتداد ألفي عام
يتنقل من معركة إلى معركة
ومن مجزرة إلى مذبحة
ومن تشرّد إلى التيه
ومن التيه إلى الاغتراب
ومن الاغتراب… إلى أين؟
******
الذكريات
بصمات الطفولة البريئة
أزالها الغرباء من مقبض الباب المغلق.
*******
أشتاق إلى كل حبة تراب في بيتنا القديم
إلى كل نافذة
وباب
وجدار
أشتاق إلى ظل أمي
وهي تجوب الدار جيئة وذهابا
بدون كلل أو ملل
أشتاق إلى ملامح أبي
وهو يقرأ الكتاب المقدس للمرة الألف
أشتاق إلى شجرة التوت القائمة في منتصف الدار
وإلى اللوحة الآشورية التشكيلية
دموع ودماء
ممتزجة بتراب أرض الفراتين
ورحلة أبدية مع غبار الرياح.
********
شعبي سيل دماء
ينساب من القرن الرابع عشر
وحتى يومنا هذا
ولم تعلمه التجارب والمآسي والويلات
سوى الطبل والمزمار
وحفلات الصخب والجنون
والمغنين…. البلهاء
والخطب الجوفاء.
********
يقول أبو الحكمة سقراط:
(السؤال هو الذي يقود إلى الحقيقة المطلقة).
******
عندما تفكك مآسي شعبي أزرار ذاكرتي
ألعن كل العالم المتحضّر
وأقولها بالفم الملآن:
كل العالم المتحضّر
وأنزوي… وبكل أسف
وحيداً….
حزيناً…
في ركن باهت
من أركان بعض متاحف العالم المتحضر.
*****
عندما كان في أوج سطوته
كان يتنفس من رؤوس أصابع قدميه
وحينما آل إلى قاع بؤسه وخيبته
صار يتنفس من جراح وآلام مؤخرته.
******
القرية التي كانت تتلألأ على ضفة النهر
أخمد ألقها الناطقون باسم الله.
******
أتذكر…
وأنا في سن المراهقة البريئة
كانت ثمة بدويات جميلات جداً
تعملن في حقول قريتنا
كنّ سافرات
وبكامل حريتهن
وأناقتهن
وجمالهن الجذّاب
(ككل البنات الآشوريات العصريات
على ضفاف الخابور).
ولكن …
بعد ثورة الربيع العربي الكارثي
أعلنّ توبتهن
(وهنّ لم يقترفن أي ذنب أو إثم)
وتوشحن بالسواد… على حين غرّة.
********
حينما لامست أناملي أثداء السماء
تكهربت الأرض من تحت أقدامي
وبكيتُ… بكل لوعة وأسى
على الأيام التي مرّت
ومن المحال أن تعود ثانية
ولكني…
ابتسمتُ بيني وبين ذاتي
وبكل جوارحي
ومشاعري
وأحاسيسي
بأني ساعود من جديد
لأعيد البسمات إلى شفاه البراعم الذابلة
وأنير مصابيح الوطن
بدماء الشهداء
لأعيد للأرض نضارتها الخصيبة
لأعيد العصافير إلى أعشاشها التليدة.