أما بعد..
بمناسبة موسم الامتحانات وانتهاء سنة دراسية بما لها وما عليها، ورغبة الجميع في النجاح، رغبة اﻵباء في تميز وتفوق أبنائهم، ورجاء اﻷبناء في تجاوز الاختبارات وعدم الرسوب لخلق الفرح لدى الوالدين، أريد أن أقول لك أيها المتميز مهما يكن :
بالنسبة لي يا بني، فأنا أحبك! أحبك بطريقتي وأرجو ألا تجدها سيئة في يوم ما. أنت أيضا تحبني بطريقتك، أجد ذلك ضروريا، فنحن مختلفان وربما هذا الاختلاف هو ما يجعل الحب قويا ومتوترا ولكنه موجود متواصل. لا يمكن أن نفعل أو نحس بنفس الطريقة وإلا كنا مملين ومكررين حد الضجر..
فالحب بطريقة ما هو أن نفرح ونسعد عندما نراقب أو نلاحظ أو نشارك الآخرين ومن بينهم أبناؤنا يفعلون أشياء خاصة بهم، أشياء تجعلهم أفضل وأكثر اكتمالا، أو تميزهم وتروق لهم إيجابا، لا نفعلها نحن أو لا نقوم بها بنفس الطريقة، لكل منا أسلوبه ومزاجه وهذا ما يخلق فينا الحب..
قد تشبهني حقا ولكن هذا لا يجعل منك أنا وإلا فما جدوى أن تكون هنا؟
ولأني أحبك بطريقتي فأنا لا أريدك أن تنجح من أجلي، صحيح أن الآباء يرغبون في أن يروا أبناءهم في صورة أفضل وأكمل ولكن هل لدينا حقا تصور كاف لما هو الأفضل؟ أم هي أوهامنا تجعلنا نفرض معايير مجحفة في حق أبنائنا ونفرض عليهم أن يكونوا كما نخطط أو على الأقل نحلم؟
لا يا بني. لا أود أن أكون هذا الرجل البغيض الذي فشل أو يرى أنه كان يمكن أن يحقق أكثر مما هو عليه، ولمَّا لم يفعل، لم يجد أمامه سوى الأبناء ليكملوا الطريق أو يصنعوا ما عجز عنه آباؤهم..
لا أحب مطلقا أن أكون ظالما..
إنها حياتك أنت يا بني، دوري أن أساعدك وأوجهك -وأتعلم ذلك باستمرار قبلا – لتكتشف الإنسان فيك القادر على أن يكون حرا وفاعلا، أن تتعلم وتسعى إلى تحقيق ذاتك وتمارس هواياتك وتطورها، يكون لك أفكارك ومبادؤك، تملك من الذكاء والحكمة ما يسعفك لتجد أجوبتك وقبل ذلك لتطرح أسئلتك الهامة.
ليس عليك أن تنجح من أجلي فذلك سيجعلك هدفا سهلا لضياع غاياتك الشخصية، ليس عليك أن تحصل على شواهد كنتُ أحلم بها أو أردتك أن تحصل عليها.
أحلامك ليست هي أحلامي وإلا فلا وجود لك، لا تكن ولا أريدك أن تكون ظلا لي. أنت سيد مسارك ومستقبلك، فاستثمر النصائح لتفعل ما تخطط له أنت لا أنا..
يا بني، إنها في النهاية حياتك الخاصة التي لا أملكها لمجرد أنك تنتمي إليّ بيولوجيا واسمك مرتبط بي في الحالة المدنية أو حتى كونك عشقا خرج من جسدي ليثمر في شجرتي، أنت ثمرثي الحرة التي سأسعد بانفصالها عني تماما لتمنحني سعادة الاطمئنان إلى ما قمت به كواجب إلى حد ما.
عش حياتك، وافعل ما يجعل منك إنسانا ومارس مسؤولياتك بحرية، ولا تأمن العالم، بل جد طريقتك الخاصة لتحب وتتجنب الشر والألم وأيضا لتعيشهما بتقبل وفهم، كن ذكيا بما يكفي وطور استثماراتك لتجاربك واحذر التجارب التي لا تقبل التكرار، احصل على الشهادات التي تسعى أنت إليها، افشل وانجح، افعل ما تراه سيسعدك بعد أن تستيقن من اختياراتك ولا تستهن بالنصيحة وابحث عن الله في داخلك تجده ثم استمع وافهم واعمل لكي تمر من دنياك بأفضل سلام ممكن وأخف ضرر ممكن، ولا تخش شيئا، فأنت لم تأت إلى جنة وإنما أتيت بك إلى مضمار سباق يحتاج إلى عقل عظيم وقلب يقظ سليم، اصنع أنت جنتك، هكذا يمكن أن تسعدني وتجعل مني أبا نجح في مهمته بنسبة كبيرة..
والدك الذي يختلف عنك ولهذا يحبك ويحب أن يرى في اختلافك سعادة غير مشروطة..