على مَضَض، هَمّ بالخروج من البيت مستقبلا طريق الاعودة
اِستوقفته أُمه منادية عليه: امَازِلْتُ مصرا على السفر ياسعيد وتترك أمك وأُخْتاك بمفردهم؟.
: ياأمي إني أتعذب يوميا من ضيق ذات اليد وأنا لاأستطيع حيلة، فلا عمل ولامورد رزق وكأن أخواتي البنات زادوا بنتا ثالثة!
الأم: نحن نعيش على كل حال سواء كان معنا أو لا ولكننا نحتمي بظلك..
: ياأماه إن قُدر لي الموت وأنا بينكم، سيظل رزقكم يأتيكم سواء كنت معكم أم لا، ولكني أُريد أن أبحث عن مورد رزق حتى نستطيع العيش دون الحاجة لإحسان الناس أعطونا أم منعونا، فقط اِصبري لعل الله يُحْدِث بعد ذلك أمرا..
والدموع تنهمر من عينيهما، قَبَل يد أمه وسألها الدعاء وهم بالخروج وهي تدعوا له ومازالت تدعو الله حتى بعد أن غاب عن ناظريها..
فى طريقه إلى المجهول وجد شيخا عجوزا لايقوى على السير سأله سعيد
: إلى أين ياأبي..
الشيخ: الى بلدتي فقد تركتها منذ أكثر من عشر سنوات وأُريد العودة إليها مرة أخرى!
: ولماذا تركتها طوال هذا العمر ؟
الشيخ: لقد سافرت بحثا عن عمل لأجمع بعض المال وأعود إلى زوجتي وأولادي..
سعيد وقد تلهف لإجابته: وهل وفقت في عملك وتحسنت أحوالك بعد كل هذا المدة؟
الشيخ: ليتني ماخرجت ولم أترك البيت فبعد كل هذه العمر الضائع لاجديد يذكر فكما خرجت كما رجعت..
سعيد وهو يُحَدِثُ نفسه: هل أعود إلى البيت فما سمعته من هذا الشيخ جعلني أزهد فيما كنت أنتوي؟
تنحى سعيد جانبا من الطريق يدير الأمر برأسه، ولكنه لم يلبث طويلا وقرر العودة ثانيا الى أمه وأخواته، وأن يحاول مرة أخرى البحث عن أى عمل يجنبه الغربة والبعد عن أمه وأختيه..
في طريق عودته وجد حُفْرة تُعِيق الطريق فأراد أن يمهدها للمارة وأخذ يحمل من الصخور لردمها، وحين قاربت على الإستواء، وعند آخر الصخور وجد أسفل منها جرة من الفخار لها غطاء محكم الغلق..
قال في نفسه: لعلها ممتلئة ذهبًا!
حملها وعاد بها الى البيت وكل أمنيته أن تكون حلا ناجعا لكل مشاكله..
حين رجع إلى البيت متهللا فرحا نادى على أُمه والتى أتت مسرعة فرحة حين سمعت صوته وعلمت برجوعه مرة أُخرى إلى البيت.. فحكى لها ماحدث..
فقالت له: ليس كل الناس يجد الذهب.. يابني سواء كان بها ماتريد أو لم تجده فلاتحزن..
هم سعيد بفتح الجرة ولكنهم سمعوا طرقا عنيفا على الباب..
فزع سعيد وخبأ الجرة ثم ذهب وفتح الباب فإذا بأهل القرية عن بكرة أبيهم أمامه..
قال كبيرهم: أين الجرة ياسعيد؟
قال: أى جرة؟
قال: لقد شاهدوك وأنت تحمل الجرة وهي كنز أجدادي لنا فأين هي إذن؟
خوفا على أمه وأخوته البنات أخرجها لهم ولكن كبير القوم قال: لابد أن تذهب معنا لقاضي القرية حتى يحكم في الأمر.. فلم يجد مفرا مما يدعونه إليه..
ذهب الجميع لقاضي القرية فقال: من أين أتيت بالجرة ياسعيد؟
فهناك من يدعي أنها كنز أجدادهم؟
فحكى له سعيد ماحدث من البداية حتى عاد لبيته..
فقال: إذا ثبت وجود الذهب بالجرة حوكمت بسبب سرقتك للجرة!
فالقوم اتهموك بسرقة كنزهم المفقود.. وأمر القاضي بفتح الجرة.. وبصعوبة تم فتح الغطاء.. فإذا بحية تخرج مندفعة من الجرة وتلدغ كبيرهم لدغة قاتلة، فتجمع القوم عليها وقتلوها، وخافوا أن يمدوا أياديهم إلى الجرة بعدما مات كبيرهم في إثر لدغة الحية، فطلبوا من القاضي أن يقوم سعيد بإخراج مابداخل الجرة، فأمره القاضي بإفراغ محتويات الجرة أمامهم..
نفذ سعيد ماأمر به القاضي وأفرغ محتويات الجرة أمام الملأ فلم يجد إلا ورقة سلمها للقاضي..
أمسك القاضي الورقة وضحك ثم قرأها قائلا: إنها حكمة من والد لولده قال فيها:
أما بعد ياولدي فقد عشت الحياة بحلوها ومرها فما وجدت أطيب من الصبر..
وجربت الراحة فما وجدت أسعد من الراحة بعد التعب.. وعلمت أن رزقي مُقَدَر فلم أتكاسل.. وسعيت فى طريق الزُهْد فكفتني كِسْرَة خُبز..
والى هنا أخلى القاضي سبيله بسبب أنه لايوجد هناك كنز لأجدادهم في الجرة كما يزعمون..
كانت تلك الحكمة درسًا تعلمه ، وقرر أن لايعود الى التكاسل بعد اليوم..
اجتهد في خدمة أهله وقام ببناء سورا حول قطعة أرض مجاورة لبيته ويدخل إلى قطعة الأرض عن طريق باب جانبي من بيته..
وخرج الى السوق حمالا، ويعود أخر الليل منهكا ومعه القليل من المال، ولكنه ينام قرير العين.. سعيدًا بما وجده من الراحة بعد التعب من حكمة ذلك الشيخ لأبنه..
استمر على ذلك إلى أن جاء يوم أراد أن يوسع على أهله ويبني بيتا في قطعة الأرض وساعدته أمه وأختاه..
حين شرع في العمل ومع أول معول اصطدم المعول بشىء صلب.. قام بالحفر حوله حتى يكمل العمل، وبعد جهد جهيد استطاع أن يخلخل التربة حول الصخرة.. وحين تفككت هاله ماوجد، إنه الكنز الموعود.
ثلاث جرار وجدها بالصخرة..
قام بكسر إحداهم بالمعول فإذا الذهب يظهر لهم جليا..
تسمروا أمام هذا المشهد إلى أن أمرهم سعيد بحمل الذهب إلى داخل البيت.. وتابع كسر بقية الجرار ليطمئن أنها خالية من الأفاعي إلى أن انتهى ودخلوا البيت وهم يفكرون في هذه القبيلة التي لو علمت بما وجدوا ماتورعوا أن يقتلوهم ويسلبونهم ماوجدوا..
وفق الله سعيد واشتري بيتا في قرية طيبة ببعض الذهب
واشترى قطعة أرض زراعية واحتياجاتها من أدوات للزراعة مثل حمار وجاموسة والى غير ذلك من مستلزمات وانتقلت الأسرة إلى هذه القرية للعيش والأقامة فيها وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم فقد تزوجت الأختين ويسر الله لسعيد الزواج.. حتى بعد أن صار شيخا وصارت له أسرة مازال يعمل ويعلم أبنائه حكمة الجرة وكيف كانت سببا في تغيير طريقه نحو الأفضل..