من المعلوم أن الذوق الأدبي منحة إلهية في نفس الأديب ، وموهبة متميزة في وجدانه يستطيع بها التميز والتفضيل والتقييم ،هو وحده القاضي العادل في قضايا مجتمعه ومشكلاته وبدون صوغها للمجتمع بطريقته قد يتعذر الحكم ويتعسر الفهم.
وإلي الآن لم يستطع النقاد تحديد هذا الذوق الأدبي تحديدا متميزا ؛ذلك لأن الله تعالي له أثر في كل إنسان وغالبا ما يعجز الإنسان عن فهم هذا الأثر وتصوره أمامنا كاتب صنع بنفسه أسلوبا مملوءا بالحيوية والمتعة والتأثير ،نأي بنفسه عن التقليد وليس بحاشد من الألفاظ المرصوصة ،بل رتب الكلمات وفق ترتيب المعاني في الذهن ؛وبما أنه بعيد عن الصنعة والاغتراب والابتذال والسوقية والتكلف والاستكراه فغالبا ما نتلمس في اسلوبه شيئا طبيعيا جامعا للتناسب بين أجزاء الصورة أيما كانت سواء في الرقة أو الجزالة .
ولما كان الشاعر معاشرا نبيلا لمعضلات مجتمعه عابئا لها متوجسا من مؤثراتها يساير الانفعالات موائما مع نواح الفكرة المجتمعية نراه يقول : في قصيدة رواة جدد للفجيعة
ماعاد يصدق رواة
يتزاحمون أمام وقائع
معظمها لم يحدث في الحقيقة
إنه التخييل
وسذاجة الجمهور
البحاثة العدول مدربون
وبامتياز
يعرفون الدهاليز
والسراديب
والخرابات
والدفائن
و من كوَّاته
المعجونة فى الضلالات
عقب
الحروب الشنيعة
وسبى النساء والأطفال
لغزوات تستهلكها العروش
وتوثق بأقلام مزيفيها
ماتريد ان يؤرخ
القلب الحر يملك الآن بوصلة
توصل إلى التفاصيل
وحقائق الاشياء ..
تجربة حية من حيث سرادقات الواقعية سرد لنا الأديب نبيل حامد بصورة سوسيولوجية عارية عن الخيال السارب ما تجنيه الشعوب والأمم من مخلفات الزعماء وسارقي التاريخ ومدعي الوطنية وفضح المسرحية بكافة ابطالها المزيفين ومستغلي الشعوب الساذجة
والحروب الطاحنة في أبناء الوطن المتلبسة بعظام العجائز والناهشة بدُمي الأطفال ودوائر الحرب هذه ماهي إلا مطحنة لاستعلاء النفوذ وضمان استمرار العروش وسط تاريخ يكتب بمداد زائف واختتم بمقولة يخلدها الثائرون القلب الحر يملك الآن بوصلة توصل إلى التفاصيل .
فالضمير الحي الكائن بمقر القلب يمتلك بوصلة دليل له علي معرفةالحقائق ،مهما زيفها الرواة وخالف نقلها الموثوقون.