أولئك الذين يرقصون مع أنغام الموسيقى يظنهم الحمقى مجانين ..نيتشة
أيام زمان مهفهفٍ كنا نرقب عبدالحليم حافظ كي نسمعه من خلال الراديو الذي كان الوسيلة السمعيّة الوحيدة أنذاك . وكيف كنا نتمنى رؤيا عبدالحليم عن قرب لمافيه من جاذبية طاغيةٍ في الأداء والصوت . هذا الأمر كان يحصل قبل أكثر من مئة وسبعين عام للفيلسوف الألماني ( فريدريك نيتشه) وحبه للموسيقارالعالمي ريتشارد فاغنر. ذات يوم مرض نيتشة وقالوا له أن يتعاطى قليلا من الهاش (دخان مخدر) لتهدئة أحواله فقال لهم : إتركوني فأنا ما من دواء لدائي سوى فاغنر. العمالقة غريبون فهنا نيتشة يذكرني بما حصل ( لأبي العلاء المعري) حين مرض ووصفوا له كبد الآرنب مع العلم ان ابا العلاء نباتي ، فقال ( إستظعفوكِ فوصفوكِ ، لمّ لم يصفوا شبل الأسد) . تعلق نيتشة بالموسيقارالعالمي فاغنر وهو في عمر الثانية والعشرين وكان يتوسل بأصدقائه أن يأخذوه الى فاغنر لكي يتعرف عليه ويستمع موسيقاه كي يشفى من مرضه. وأخيرا حصلوا قبولا من فاغنر كي يلتقيه وحينها أيضا كان نيتشة شهيرا وعبقريا كما عبقرية فاغنر في الموسيقى . يقول نيتشة في تلك اللحظة لاأعرف ماهي السعادة التي أعترتني وأنا أفكر كيف سيكون لقائي مع فاغنر وماذا أرتدي . فيقول بحبكةٍ مضحكةٍ : ذهبت الى الخياط ليخيط لي أفضل بدلة تليق بلقائي به . ويقول بالفعل قال لي الخياط ستكون بدلتك جاهزة يوم غد وهو يوم اللقاء ، وفي اليوم التالي قبل موعد اللقاء بساعتين ذهبت الى الخياط لكنه قد تأخر قليلا بينما أنا أضرب أخماسا بأسداس من خوفي أن يخل هذا الخياط بوعده ، لكنه أرسل مساعده كي يعطيني بدلتي لكن هذا المساعد قال لي لاأعطيك أياها حتى تدفع نقدا وهنا يقول هطلت علي مشكلتي الكبرى لعدم إمتلاكي النقود فيقول : أخذتها منه عنوة وأرتديتها لكنه ظل ينزعها مني عنوة أيضا وأخذتها مرة أخرى وارتديتها ولم أفلح معه وفعلتها أكثر من مرةٍ حتى أخذها مني بالقوة ، فلعنته ومضيت مسرعا الى بيتي لآرتدي بدلة قديمة وخرجت الى الشارع متسارعا مع المطر الغزير لكي ألحق بموعد لقائي مع فاغنر . يقول : وصلت الى القاعة كأول المدعويين وقدمت نفسي لفاغنر وقام بالترحيب المهيب لي وأحب فاغنرأن يعرف ماهية خبرتي بموسيقاه وماسبب ولعي به حتى تحدثنا عن شوبنهاور وفلسفته فهو الفسيلسوف الأكثر فهماً لجوهر موسيقى فاغنر. حتى عزف فاغنر أوبرا جديدة وقديمة وبعض موسيقاه التي تدخل الروح فتظل ولاتخرج بل تبقى متقده أبد الدهر. ويقول نيتشة في آخر اللقاء ودعني بحرارة وطلب مني أن أزوره مرة أخرى لنتحدث عن الموسيقى وأشياء أخرى تخص فلسفة نيتشة وجوانب عن شعر فاغنر وفلسفته فهوالآخر متعدد الإبداع . كان نيتشة متيماَ بالموسيقى منذ ان كان صبيا فوالده كان رجل كنيسة وكان عازفا ويعزف الموسيقى وكان ملحنا ومؤلفا معروفا ولديه من الجمهور الكبير . ومن شدة ولع نيتشة بالموسيقى الّف كتابه الأول وكتب عليه الإهداء الى ريتشارد فاغنر، ولكن الغريب في الأمر أنهم تخاصموا مدى الحياة بسبب إمرأة يعتقد نيتشه انّ فاغنر سلبها منه . فليحاذر كل رجل من إمرأة يعتقد انها تحبه دون دراية كافية والاّ ستنسفهُ دون أن يرمش لها طارف عين .
* شاعر وناقد عراقي