كالمعتاد رن الجرس و حزمت أمتعتي التي يمكن تلخيصها في قلم أزرق أشرف على النفاد، و دفتر تتضارب بين صفحاته مضامين كل المواد، خرجت إلى الساحة للاستمتاع بالمهلة بين الحصتين، رشيق الفكر ، مستمتعا رفقة زميلي يوسف نخطو في الساحة و نتبادل أطراف الحوار في مواضيع شتى. و نحن نقهقه و نضحك مع بعض، في لحظة كلمني الصديق يوسف مغيرا مجرى الحوار بنبرة تغلفها الجدية ملمة بين ثناياها معاني عميقة تتجاوز اللحظة التي نحياها قائلا: إلى متى سيستمر هذا الوضع هكذا يا أخي ؟.
أجبت دون أدنى فهم على ماذا تحيل كلماته ، على أي وضع تتحدث ؟ دعك كالمألوف و تحدث بوضوح .
يوسف بلهجة تطغى عليها الخشونة ، و عن حياتنا الدراسية التي لا نعيرها أدنى اهتمام أتحدث.
أحسست بكلماته تزيل الستار عن واقع أحاول دائما أن أتجاهله، مزيلة النظرات المعدنية عن بصري، تاركة مخيلتي تبحر بين عدة قضايا عصية عن الحل.
مرت الأيام سريعة دون أن أراجع أوراقي ، أو أن أعير أدنى اهتمام لمساري الدراسي، أعلنت السنة نهايتها مجازية الخاطين بجد بين أوعارها، تاركة ملامح خيبة الأمل للصنف الآخر من المسافرين بين طرقها.
اختنقت أنفاسي و عجزت قدراتي عن التحليل لانتمائي للصنف الثاني من المسافرين، تاركة الحسرة تغتال ذهني عن أيام مضت لم أحسن استغلالها قط دون أدنى قدرة على التفكير في المستقبل غارقا في نهر من التيه ، عاجزا عن تصويب أسهم تفكيري نحو الصواب. استمر الوضع على ما هو عليه لعدة أيام مفعم بالطاقة السلبية، وعم صيت فشلي للسنة الثانية أرجاء قريتي حتى أضحى تقريبا الكل يعرف ما آلت إليه الأمور في ما يخص دراستي بالسلك الثانوي.
في يوم من الأيام القريبة من إفشاء خبر رسوبي، وأنا أخطو و أتجول بالحي الذي أقطن به اصطدمت بجارنا عبد الحميد، رجل في أربعنيات من العمر ، أكن له كامل الاحترام و التقدير، كلمني قائلا أهلا بأدم كيف حالك ؟.
الحمدلله أخي عبد الحميد أنا بألف خير و أنت كيف هي أحوالك ؟ .
كل شيء على ما يرام، ها أنا أتذوق من كل وصفات الحياة كباقي الآدمية.
بعد تحليل كلماته الفلسفية، جميل هذه هي الحياة يا عم.
قبل أن أنهي كلامي سألني قائلا: هل فلحت في هذه السنة ؟ هل مر كل شيء على ما يرام ؟
بملامح تعكس طبيعة النتيجة قبل أن أتكلم، أجبته : كانت النتيجة سلبية.
رد قائلا: و ماذا عن قادم الأيام ؟.
أجبت بسرعة دون تفكير سأحاول من جديد السير بين ضفاف السنة نفسها.
دعك من الدراسة و خذ لك طريقا آخر، ربما يبتسم لك الحظ و يلقاك مصيرا مخالفا لما تعانيه آنيا.
بمزاج يرفض ما تحيل عنه كلماته، شكرا لك على النصح و التوجيه هذا لطف منك، في الحقيقة لا أريد أن أنسى خيبات الدراسة بل أريد أن أسلك نفس المسلك للمرة الثالثة على التوالي.
القرار الأول و الأخير لك ، لكن أنا فضلت أن تسلك طريقا آخر كي لا تلقى نفس النتيجة .
أجبته والرغبة في إنهاء الحوار تنتاب كلماتي، شكرا لك عمي عبدالحميد، شكرا.
الشكر موصول لك ابني أدم، حظا موفقا إن شاء الله.
أجبته بابتسامة و استأنفت طريقي إلى المنزل، بعد أمتار قليلة قبل أن ألج المنزل استوقفتني رؤية أبي، عائد إلى المنزل متعب بعد يوم شاق من العمل، وقفت أنتظره عند الباب لندخل معا، مستعدا لسماع توبيخاته عن نتيجتي السلبية .
خطوات قبل أن يصل حيث أنا واقف كلمني قائلا دون مقدمات كأنه يعلم ما يسكن ذهني من قضايا هذه الفترة : النتيجة النهائية كانت عادلة يا ابني و الحياة عموما لا تعطي إلا لمن جد و كد للوصول إلى هدفه.
– أجبته بصوت تغلب على نبراته الخجل، نعم يا أبي كلامك على حق .
دعك من الماضي الآن الشيء الذي انقضى و مضى لا يعود و فكر في ما هو قادم ، مستعيدا تجارب الماضي لاستيفاء العبر دون الغوص بين ظلماتها.
– نعم يا أبي سأنظر إلى الأمام محاولا التغلب و تصلق كل الحواجز التي حالت دون تحقيق النجاح في السنوات التي انقضت .
– إنك تستطيع يا ابني تحقيق نتيجة إيجابية و النجاح في باقي الرهانات الدراسية، و ليس السنة المقبلة فقط.
استشعرت بكلماته تبعث نفسا إيجابيا في دواخلي ، مخاطبة ذلك الشخص المستقيم داخلي لكي يزداد ثقة أكثر في نفسه، ملقية في الآن نفسه بجبال من المسؤولية على كاهلي .
مرت أيام العطلة الصيفية بسرعة و فتحت مدارس السلك الثانوي أبوابها في وجهي من جديد، وفي وجه الساعين بين شعبها، كنت واحدا منهم أشق طريقي رفقتهم مثقل هذه المرة برغبة جامحة في النجاح، وبلوغ المراد ، كما شغل الخوف حيزا هاما في تركيبتي النفسية خوفا من الرسوب.
توالت الأيام و حافظت على رغبتي في النجاح وحب التعلم ، متناسيا مع مرور الأيام نتائج الماضي، ومتخلصا من تداعياته السلبية، كلها أشياء ساهمت في تدعيم حظوظي، و بلغت المراد و نجحت بعد سنتين من الرسوب ، متنفسا نسيم السعادة بعد طول المعاناة.
نص يرسخ تجربة مشتركة عند رواد المدرسة و خاصة من لم يكن الحظ في جانبهم …اما في اجتياز امتحان اخر السنة او بعض المحطات التقويمية . كانت لي تجربة قريبة من التي سردت في القصة و تخطيت اثرها السلبي بكلمات من استاذ كان يعرف متى ينصح و متى يوبخ و متى يحفز …
رائع بتوفيق ان شاء الله