(1)
كان صديقي…صانع السعادة… الخبير الدولي بمحاربة الفقر… البروفسور سعيد المسعد يتكلم لي عن المنجزات الاعجازية الخارقة للمؤسسة التي يديرها لمناهضة الجوع والفقر…
قال لي… وكأنه ينبهني بخسارتي الكبرى لعدم حضوري الاحتفال الكبير والمؤتمر الدولي الذي اقامته مؤسستهم.
-فاتك يا صديقي ان تحضر… لقد كان كرنفالاً كبيراً في اضخم قاعة للاحتفالات بالبلد… لقد حضر اكابر القوم وعليته..
القينا خطب عصماء ضد الفقر وتأثيره السلبي على الفقراء…
استعجلت منه ذكر النتائج التي حققها المؤتمر للفقراء.
-ثم ماذا بعد الكلمات والخطب
سارع بالجواب متفاخراً
ثم اقمنا مائدة طعام فاخر… فيها اشهى الاكلات الراقية التي طبخها اشهر طهاة البلد قاطعته متلهفاً..
-اكيد اكلها الفقراء وجياع البلد المساكين رد…
-كلا… اكلناها نحن سادة القوم والمبرزون بالبلد
تساءلت بدهشه
-من؟…من؟؟؟
اكد قائلاً
-نحن شخصيات المجتمع
ضحكت من اعمق اعماقي…ضحكت بمرارة كالبكاء…
ولا زلت اضحك الماً..
(2)
في غفلة من مراقبة امي التي تمنعني ان ارسم صور لبنات عاريات تماماً… الا من ستر بسيط.
عكفت ارسم بتركيز عال… كل التفاصيل…كلها..
الناتج صوره كأنها تنطق حقيقة
من خلال تأملي الدقيق بالصورة…استعظمت براعتي الفذة… وقدرتي.
داهمتني امي فجأة…
ارعبني هول الصدمة… لكني استسلمت ذاعناً
وهيأة نفسي لاستقبال الكلام القاسي الذي ستقوله امي.
-هل تكبر اكثر؟؟.. عمرك خمسة عشر سنه.
تأملت امي الصورة جيداً.. جيداً..
ثم التفتت لي مبتسمه…
-اشكرك ابني الحبيب
اعتراني ذهول مستفز…
ثم تابعت قائلة..
-اشكرك لانك لم ترسم صور عارية…ورسمت مسجد جميل.
وتابعت… يبدو انك بدأت تعقل.
هدأت نفسي… وسارعت بسحب الورقة المرسوم عليها من يد امي…
تركت امي لي الورقة وخرجت..
تعاظمت دهشتي… انها الصورة العارية
التي رسمت…
امي شاهدت صورة مسجد…
كيف…؟
سمعت صوت.. ضحك… كلام موجه لي… دققت لاعرف المصدر… انها الورقة مصدر الكلام… والضحك
-لم اكن فاضحة لك.. أيها المراهق الصغير.
الجمني الذهول…وتتشتت الكلمات في عقلي… فلم اعد أتمكن من الجمع لصياغة جملة مفيدة.
هجت مندفعاً نحو الورقة.. مزقتها بتوتر… وعنف..
لكن الضحك صار يتعالى من كل اجزاء الورقة الممزقة…
-أيها المئكر الجميل.. اني كفيتك إهانة امك لك
فتحت شباك الغرفة ورميت الورقة الممزقة وذهبت في سعة الفضاء..
لكن الضحك يتعالى…ثم تلاشى.
انها تسخر مني…
(3)
لأني أعيش في مكان ضيق ومظلم… كنت ابكي من المرارة التي اتجرعها…
هتف هاتف فهمت ما قال:
-لماذا تبكي هكذا بحرقه…؟؟
قلت.
-ابكي على حياة نكده اعيشها الان…
قال مستنكرا…
-لكنك لم تولد بعد… لازلت في رحم امك… مسكنك حالياً ببطنها
سألته مستغرباً
-وكم سأبقى هنا من الوقت..
قال..
-زمن قدرة الله لك
تساءلت..
هل لي حياة أخرى انكد من هذه التي اعيشها الان.
ضحك… ضحك… ضحك… كثيراً
-لا زلت جاهلاً سبب ضحكه المفرط هذا حد الهلاك.
(4)
منذ ثلاثة سنوات وللان…
تنتابني هستيريا من الضحك الساخر…
لربما على نفسي… وانا أتذكر حكايتي هذه… تخطيت وقتها نحو الستين من عمري…
لكني اعشق الجمال…كثيراً … كل الجمال… فخيالي خصب… وروحي تشتهي الرقة المترفه… والانوثة الراقية…
املك هاتفين لاتصالاتي وعملي…
كنت في سفرة عمل بمدينة أخرى…
انا بغرفتي الخاصة في (الفندق)
رن جرس الهاتف … كانت زوجتي… تكلمنا كثيراً في مواضيع شتى غير مترابطة التفاصيل. ضجرت ورميت الهاتف على السرير… وزوجتي تتكلم…
في ذات اللحظة… رن الهاتف الثاني…
كانت زميلتي في العمل سلوى… علاقتنا بريئة لكن محتوى احاديثنا لا يتجاوز البراءة… ابداً
تبادلنا احاديث الود… ومترف المشاعر والضحكات الصاخبة…
وانا في غمرة الصفاء الروحي والانتشاء.
رن الهاتف الأول…
استفقت منتبهاً… انها زوجتي غاضبة مزمجره…
-خائن… اصلك الغدر… وصارت تسرد لي كل حديثي مع سلوى…
لقد نسيت ان انهي المكالمة مع زوجتي واغلق الهاتف… فسمعت كل ما دار بيننا.
رغم امراض السكر والضغط والقلب التي انهكت قواي… لا زالت زوجتي تتهمني بأني خائن…
وان علاقاتي الغرامية شملت نصف نساء الدنيا…
(5)
انا اعشق العطر الشفاف المترف الرقة واحمله معي في ل مكان اعطر الناس بنفثة تهدا الروح وتبعث رسالة ان للمحبة لغات شتى والعطر احدها.. وابلغها وعمري الستيني يعطي علامات مطمئنة عن حسن النوايا وبراءتها.
في المسجد… تعودت ان بدأ اول دخولي بالرجال كبار السن اللذين يصلون جلوساً… انفث من قنينة العطر التي معي نفثة خفيفة صرخ رجل كبير يجلس في الزاوية… بصوت افزعني…
-حرام … حرام… حرام عليك يا حاج تسمرت بمكاني مذهولاً… تابع الرجل كلامه…
-هذا العطر حرام… لانه مثير… ويذكر المصلين بما لا يرضى الله.
سيماء الاستنكار بدأت على وجوه المصلين من كلامه
كأنه قرأ افكارنا عن البديل… فقال
-العطر الهندي… حلال… حلال في الجوامع والمقابر
قال رجل من الجالسين
الحكم بالحلال والحرام لا يجوز الا بدليل…
وقف الرجل محثدا
-قلت لكم هذا العطر حرام… حرام
ضحك الرجل الذي طلب الدليل وضحك بقية المصلين المنتظرين وقت الصلاة
مر احدهم يده نحوي قائلا وهو يضحك عطرنا… عطرك الله من طيب الجنة