كانت قيادة العربة نزهة منعشة بين صفوف النخيل الشاهقة المثمرة . … بين الظلال الوفيرة والترع المخضرة الزاخرة بالاسماك والظليلة , بين طوفتين او اسلاك او اسيجة بساتين من القصب والجذوع والبواري وكان القيصر يغني وهو يسوط الحمار برفق ( امك على البير وامي على البير )… ذات يوم عصى الحمار ولم يتحرك .. ضربه مرات بالسوط فتحمل ولم يخط .. اتى قريبه واعتلى العربة وقال وهو يضحك ( اعطني السوط وسترى 0) , ومن ضربتين قاسيتين بالسوط تغلغلت عميقا في عموده الفقري ,تقطر الدم ,فجرى الحمار مسرعا ..فقال وهو يضحك < ارأيت ؟!> .
بصران ابيض البشرة حيوي الجسد يتعهد بستان اجداده الذي لا يبعد كثيرا عن حقل ابو ناصر ..مر عليه القيصر بعد ان استدعاه احد اقربائه لتشييد غرفة من الطوب ..فيما كلف بصران بانشاء غرفة من السد الطيني له .. كان صبران يرمي بالسماد الحيواني في حوض ويحركه بالكرك فيما تقوم ماكنة السقي بنشره الى جذور الشجيرات والنخيل والمخضرات ..وترى في السوباط القصبي القريب عدته : المراود والمناجل والحصران المتهرئة والزبلان والجلل ونصفيات التمور وبراميل الخل المعتق والمسحاة والمعاول وقد علق في الاخصاص اكياس قماش تحفظ البذور .
كما كان يفعل اجداده حفر مع اخيه المراهق الصامت حفرة واسعة وانهال فيها التراب ثم اغرقاها بالما ء واضافا اليها التبن ومضيا قبيل الاذان .و بقي القيصر يشيد غرفة من الطوب الثقيل فلما انتصف النهار رمت الصبايا انفسهن في النهر وهن يتضاحكن وخرجن يقطر من ثيابهن الماء .. كان صدر (ضحى) قد بدأ بسورة الانتفاض لكنه كان بحجم تفاحتين صغيرتين يشقان طريقهما نحو اغواء الانوثة . كانت مع اخواتها الصغيرات يعجن الجص بصفيحة صدئة ,تشتبك فيها الايدي ويشترك معهن القيصر احيانا ,
ومع توالي الايام كانت جدران الغرفة الطينية ترتفع بيد (صبران) الماهرة بمساعدة اخيه, فيما يتصاعد بناء غرفة الطوب التي يشيدها القيصر على بعد امتار منها .
ذات يوم اتى اصدقاء فقال القيصر لهم (لقد صنع صبران اساسا متينا للغرفة ) , فاجابه احدهم وهو ينظر لفتى مائع صغير مبتسما ( طبعا الاساس هو الاهم … يحتاج خلفة ماهرا!! ).
قريبا منهم على ضفة نهير وصلت امراة ثلاثينية قصيرة بيضاء تتلفع بعباءة حائلة , نظرت لاحفادها شبه العراة وقالت (صخّم الله وجهك نحمد الله انهم اولاد والا لكانت فضيحة , لا احد منهم يرتدي لباسا داخلي)..كانت تعني بنتها التي هجرت زوجها من شدة الفقر وسكنت معها ..لا يبعد بيت الفتاة عن اهلها كثيرا .. البيت الذي يرشح منه الماء تحت طرقات المطر ويطفح بسلع من بقايا مزبلة .. اغلب صغارها حبلت بهم بعد نومات مع زوجها في الترع الجافة على بساط عتيق في ليالي الصيف الجنوبية وكلما عادت لبيت زوجها حاصرها الجوع فتعود متسارعة الى الترع المتحجرة القاع حيث تتدفق النشوة تحت ارتعاش السعفات .. ولم يكن زوجها يعاني ان هجرت منزل اهله فالجسد الغض طوع يده وفم الاطفال تتكفله الام الصابرة في ظلمة الليالي وصوت الكلاب ..ربما يرى بالتصاقه بزوجته الفتية في تلك الترعة لذة المغامر بالاكتشاف ..ولا يمكن ان ينسى فزعه في تلك الليلة , فبعد ان تمدد البياض الذي لا يراه في خفوت القمر , على بساط عتيق ضاع لونه الرماني وخيوطه المتقطعة , وأنّت تحت جسده الحديدي ,احس بحجر يتحرك تحت يده فنهض وطوى البساط , كانت سلحفاة قد تسللت قبلهما وتحركت .