حوّل بصره نحو غروب الشمس وهي تغوص في الرمل، أجواء باردة تقترب من العتمة كلما اقترب الليل، الساتر بهيم، اكياس التراب مصفوفة بعناية، صحراء مفتوحة تتخللها بعض الشجيرات وسواقي صغيرة ، خندق عريض يمنع العبور الى الساتر، حيدر يترصد العدو من فتحات أُعدت للمراقبة، ومباغتة العدو في كل حين والقناص لا يهدأ، الرياح تشتد، الظلام حالك، القلق الذي اعترى حيدر غير اعتيادي، قلبه يتوجس خطرا مبهما، ، مناوشات قليلة وبعيدة، يضع يديه على خوذته ويترصد، الهدوء حذر يخدشه رنين يتلقفه بشغف
– ألو
– ابني حيدر اشلونك
– اهلا يابه اشلونكم
– كيف الوضع يمكم والاجواء باردة الآن في بغداد غبار.
– الليلة تختلف عن الليالي السابقة هدوء.
– إبني أبشرك تمت الموافقة من أهل كوثر .
– ابي انا غير مصدق غير.. غير مصدق.
– غرفة زواجك كاملة. ننتظر قدومك.
– اتمنى لو كان لي جناحان واطير اليكم، الآن انا طائر من الفرح.
– ألف مبروك ابني وإن شاء الله نفرح بعرسك.
– اشلون امي هل هي بخير.
– الحمد لله الفرح غامرها تنتظر قدومك.
– اربعة أيام لا اكثر واكون عندكم.
– كن حذرا” لا أمان للهدوء اوصي رفاقك بالسلاح.
– سلامي للأهل والاخوان واصدقائي وجيراني
تحياتي.
قفز من نقطة المراقبة وهو فرحان جذل، وصل المقر أيقظ من كان نائما، احتفلوا معه، خاطبهم بكل ما أوتي من شدة الفرح، انتم مدعوون في يوم عرسي.
عاد إلى موقعه مع زملائه في المراقبة، تبسم أوووووه كم هو متعب الحب، لقد بان في جسمي الضعف، أنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر، عشت عذابات الحب بحلوها ومرها وها هي تكللت بالفوز .
يغمض عينيه هنيهة، تحضره واقعة الطف وموقف عابس الشاكري وهو يدافع عن إمامه ابن بنت رسول الله الحسين السبط، حين لم يستطيعوا غلبته، مبارزة، احاطوه من كل جانب، وهو يقتل كل من يصل اليه، رمى درعه وقلنسوته، شق قميصة عارضا صدره للشهادة، وهو يصرح (إمامي حسين ونعم الامام)
فزّ على دوي قذيفة، فتحت ثغرة في الساتر الدفاعي، إلا أن حيدر ورفاقه كانوا لهم بالمرصاد، قاتلوا قتال الأبطال، بالرغم من الأجواء المظلمة، وسرعة الرياح الشديدة مع لسعات البرد القارسة. سقط عدد من زملائه بين شهيد وجريح، دفاعهم المستميت امتد لخيوط الفجر،و هو لازال يحث الباقين على القتال، حتى أطبق حصار النار عليهم، رمى خوذته وشق قميصه.. واستبسل في رد الأعداء وهو يردد ( نحن أبناء الحسين ندافع عن عراق الحسين)
أوفى حيدر بوعده وعاد بعد أربعة أيام محمولا على الأكتاف، من ساتر الشرف إلى النجف التي شهدت
اطول زفة وأبهاها، جموع غفيرة استقبلته بالورود والأهازيج فلقد حضر كل من يحب بلده والشباب.. والد حيدر كان في المقدمة، وهو يصرخ كلنا فداء لعراق الحسين .. وكوثر تبكي روح حيدر التي تسامت إلى السماء، وقبضته المطبقة على حفنة من تراب مضمخة بدمه الطاهر.