كعادته، قام العربي باكرا، كان يوم السبت أحب الأيام إليه، فهو يوم عطلة، لكن ما يميزه عن الأحد بالنسبة للعربي كونه لا يحس بأي ضعط طوال النهار ، كما يمكنه أن يمدد سهرته كما يشاء فالغد يوم عطلة كذلك. لبس ملابسه على عجل فهو لا يحتمل أن يتأخر عن قهوته الصباحية. أخذ له مكانا في المقهى المجاورة، لم يتأخر عنه النادل حاملا قهوة خفيفة بدون سكر، تبادلا التحايا و قسطا من الحديث الروتيني لينصرف بعدها النادل إلى عمله تاركا العربي مع رواية “الآن هنا …” لعبد الرحمان منيف، ليست المرة الأولى التي يقرأ العربي هاته الرواية، لكنه لا يدري سبب هاته الحاجة للعودة لها دون غيرها من روايات هذا الكاتب . ربما نفسها الملحمي أو ربما ما تحكيه من قساوة الحكم و الذي ذاق منه العربي شذرات في إحدى مراحل حياته أو ربما لقربه من بعض شخصيات هاته الرواية. مضت نصف ساعة أو يزيد و العربي منهمك في القراءة، غائص في أحداثها و متابع لشخوصها، متأثر بأحداثها و مستمتع بأسلوبها، هذا هو حال العربي كلما بدأ كتابا من كتب عبد الرحمان منيف أو حنا مينا، فجأة ترك العربي الكتاب، نظر إلى الساعة من خلال شاشة هاتفه الذكي ، حمل أغراضه و هرول مسرعا خارج القهوة دون أن يؤدي الحساب حتى. اسرع نحو أقرب وكالة بنكية لكن للأسف وجد الصراف الآلي غير مشغل، بحث عن أي دكان لبيع البطائق الهاتفية فلم يجد أيهم مفتوحا لحدود الساعة، لأول مرة تأسف العربي لأنه لم يقم بتحميل التطبيق على هاتفه، أخد سيارته و أسرع نحو أقرب وكالة بنكية، كان العربي متوترا على غير عادته، شيء طبيعي و هو يتذكر أنه مضى وقت طويل دون أن يقوم بتعبئة هاتف والدته، في خضم هاته الهرولة، لم يكن للعربي الوقت ليطرح الأسئلة:
– كيف؟
– لماذا؟
– ما السبب؟
– ما التفسير؟
هم العربي الوحيد كان إيجاد صراف آلي، تعبئة الرصيد، بعدها فقط يمكن أن يهاتف “ست الكل”.
غير بعيد عن مسكنه، وجد العربي وكالة بنكية، وضع البطاقة بسرعة في الصراف الآلي، بخفة متناهية دخل التطبيق، و دون تفكير أدخل أرقام الهاتف، طبيعي فهو يحفظها عن ظهر قلب،أرسل تعبئة من فئة خمسمائة درهم، أتاه الرد مسرعا بأن الرصيد قد شحن، خرج من جوف العربي زفير تلاه إحساس بالهدوء، هم بتركيب أرقام هاتف أمه طالبا السماح و معاتبا ، كان يعرف أن عزة نفسها تمنعما من طلب أي شيء و من أي كان “، سوى من ربها” كما كانت تقول، في الوقت الذي هم بطلبها تذكر أنها توفت منذ أكثر من ستة أشهر ….
خرت قوى العربي، أسند جسده للحائط، بكي في
صمت، أدرك مدى الفراغ الذي تركته. بعد أن لملم شتات قوته، ركب أرقام الهاتف كالمعتاد، انتظر قليلا ليسمع رنين الهاتف من الجهة الأخرى، لم ينتظر الجواب، تحول نحو جهة الرسائل النصية و كتب:
“أيا كنت ، هذا رقم هاتف أمي التي غادرتنا منذ نصف سنة، سأداوم على إرسال تعبئة الهاتف بشكل دوري كما كنت، راجيا منك الدعاء لها لا غير.”