الساعة السادسة و النصف صباحا، الساحة فارغة سوى من بعض القطط التي لم تجد مكانا تحتمي به من برد الصباح، أو بالأحرى لم تحسن الإختيار مساءا لتجد نفسها عرضة للسعات برد زرهون القارس، كعادته و في نفس التوقيت يأتي عبد المجيد بخطوات متثاقلة، مرة أخرى استهواه الجلوس مع الأصدقاء مساءا عند “فرناطشي” الحمام المجاور مستمتعا بروايات موحى التي يحكي فيها عن بطولات وهمية يكاد يعرفها الجميع ، مستسلما لنكهات “الكيف” المحضر بإتقان من طرف الحاج علي، نسي عبد المجيد أن الجميع بما فيهم موحى سيستسلمون للنوم إلى وقت متأخر من الصباح بينما هو سيكون مضطرا للقيام مبكرا لفتح المقهى.
لعبد المجيد و المقهى حكاية حب فريدة لا يسع المجال للغوص فيها، فلا هو يستطيع العيش خارجها و المقهى ليس لها طعم من دونه، كثيرا ما كنت أسمع الزبناء يتهامسون بينهم :
– و الله ما تنجي نتقهوا غير باش نشوف عبد المجيد.
نفس الحب يبادله عبد المجيد لزبنائه، و حكاياته في هذا المجال متعددة، فمرة هدد أحد الزبناء بقلب طاوله بالمشروبات التي عليها إن لم يعد إلى مكانه المعتاد بالمقهى، و كثيرا ما قدم المشروبات لبعض الزبناء في المقهى المجاورة مدعيا أنهم زبناؤه، حكايات من هذا القبيل هي حكايات متعددة، فحواها الوحيد هو الحب الذي يربط عبد المجيد بزبنائه، فهم ليسوا فقط زبناء عابرون فقط، بل هم جزؤ لا يتجزأ من حياته، و زبناء المقهى يبادلونه نفس الشعور، و يتعاملون مه تعاملا خاصا يتجاوز العلاقة بين عامل و زبون، الرواد جلهم يعتبرون عبد المجيد جرعة من الملح تعطي مداقا لحياتهم داخل هذه المدينة الصغيرة، حتى اللذين ساقتهم ظروف الحياة للعيش بعيدا عن المدينة، فلقاء عبد المجيد أصبح من بين المبررات التي تقنعهم بزيارتها من وقت لآخر.
السادسة و النصف صباحا هو موعده اليومي لفتح المقهى، شتاءا، صيفا، خريفا أو في الربيع، فعبد المجيد لا يخلف موعده. صوت الأقفال وحده ما كان يسمع في محيط الساحة، فتح عبد المجيد الباب الاول، أخرج بعض الكراسي إلى الخارج لتفسح له المجال للدخول، تسلل جسمه النحيف بين الطاولات المرتبة داخل إحدى غرف المقهى الثلاث، شغل عصارة القهوة فهو يحرص أن يكون الماء ساخنا قبل مجيء الزبون الأول، و بينما كان يهم بالبدئ في إخراج الطاولات و ترتيبها، ظهر الزبون الأول، عزيز كعادته كان السباق إلى المقهى، تبادل الإثنان التحايا بطريقتهم المفضلة:
الأول: صباح الخير يا ولد الحمار
– الثاني : صباح الخير يا ولد البهايم
ملأت قهقهاتهما الساحة، و انطلقا سويا في ترتيب الكراسي و الطاولات يكسرات رتابة الصباح ببعض القفشات.
بعد الإنتهاء من الترتيب، عرج عزيز نحو صاحب الحرشة و الملاوي، أتى بكمية تخالها تكفي لأكثر من أربعة أشخاص، تناولا سويا فطورهما لم يعكره سوى قدوم الزبون الثاني، على غير العادة حسن كان ثاني الزبناء، اضطر عبد المجيد لإنهاء وجبة فطوره قسرا، فحسن لا يحب الإنتظار، ما زالت الحركة في الساحة قليلة جدا سوى من بعض الفلاحين الذين دأبوا الذهاب لحقولهم مبكرا ، اتخد حسن و عزيز مكانا داخل الغرفة قرب “ماكينة القهوة” محتمين بدفئها من زمهرير فصل الشتاء. جاء الأصدقاء تباعا ، زدي محمد فعبدو، تناول كل منهما فطوره المعتاد ، اسفنج بالبيض و كأس شاي “شبري ” بالنعناع المحلي. بعد الإنتهاء، طلب كل منهما كأس قهوة سوداء قدمها عبد المجيد مع طاولة البارتشي، جلس الأربعة حولها كل منهم بلونه و بدأت المبارات ليبدأ معها سيناريو اليوم مملوءا بنوبات من القهقهة منبعها عمق العلاقة بين الأصدقاء و خفة دم عبد المجيد، انتهت المباراة و قد انتصر من انتصر و ترك المباراة من لم يكن طالعه حسنا هذا الصباح، و قام كل منهم إلى عمله مودعين عبد المجيد، و تاركينه يستقبل روادا جددا بنفس الإبتسامة و نفس الحب و نفس الروح المرحة التي لا تترك من جلس في هذه المقهى إلا و قد أصبح من روادها الدائمين.