يتوقف رنين المنبه، تظل ممدودا في فراشك لا تتحرك، تغلق عينيك، أنه فعل عفوي، أو ربما ليس فعلا على الإطلاق ،الفعل الذي تتجاهل أن تؤديه بتلقائية وعن طواعية،نمت مبكرا غرقت في رقادك ،ضبطت المنبه على وقت الإستيقاظ ،سمعته يرن ويرن، انتظرته لثوان حتى تيقنت أنه لن يرن مطلقا، استيقظت بسبب حرارة الحجرة أو بإزعاج الضوء،ربما لضوضاء الخارج ، لكنك لا تتحرك كأنك مقيد لفراشك،تفكر في شخص آخر يقوم بالفعل بدلا منك، يقوم بذلك الشقاء اليومي التي سئمت من تكراره وتبرمت من معاودته، يستيقظ يغتسل، يحلق وجهه، يرتدي ملابسه، ينزل الدرج، يركض في الشارع،يقفز إلى الحافلة يلهث جريا للوصول في الوقت المناسب للعمل ، لكن هو منتصر حتى دون أن تعرفه ،أن تظنه يفعل ما يقوم به بائس من روتينية الأعباء،بأي حال لن تنطق أي كلمة لأنك تحتمي بالتغاضي أحيانا وغالبا لا تفكر على الإطلاق،يبقى مكانك شاغرا لن تنتهي مسيرة شقاءك بتقاعد مريح، ولن تبدأ القيام بهوايتك المفضلة وما يروق لك فعله ( يفعل ما تفعله كل يوم تحضر فطورك ،تغتسل، ترتدي ثيابك توضب فراشك، تضع ملابسك المتسخة مع قليل من مسحوق التنظيف في وعاء بلاستيكي، تفتح النوافذ تغلق الباب،تخرج لخوض صراعك المرير،
في المساء لا تذهب إلى المقهى الشعبي لملاقاة زملاءك وبعض معارفك كما العادة، أحدهم في صباح اليوم التالي يعرج على زقاقك يطرق بابك طرقات لينة ثم مرة أخرى أقوى قليلا، يناديك بصوت منخفض يتردد أن يقرع الباب يذهب لحال سبيله ،ثم جاءك أخرون في اليوم التالي ثم اليوم الذي يليه طرقوا الباب انتظروا قليلا نادوا عليك مرروا رسائل إلكترونية إليك دون جدوى،(تظل مستلقي على أريكتك الضيقة يديك على صدرك لا تتحرك ، قبل ذلك أدركت دون أن تتفاجىء أن هناك خطأ ما، أنت لا تعرف كيف تعيش وفق ما تميله ظروفك البئيسة، الحرارة في غرفتك لا تطاق بحاجة ماسة للمكيف، تجلس منزويا في ركن من الغرفة تحملق في رفوف الكتب وكتاب مفتوح على سريرك ،حاسوبك المعطل، تظل عينيك شاخصتين إلى رف من الخشب الأسود ،وعاء بلاستيكي تتكوم فيه بعض ملابس متسخة ، أعقاب سجائر في المنفضة تتابع حلقات دخان على شكل دوائر تترهل في صعودها نحو السقف المبقع بشقوق صغيرة، بداخلك شعور بالخواء يبدو لك محض إحساس، وجودك في الحياة، الارتباط بالدنيا،الإنتماء إلى هذا العالم ،قد بدأ يتملص منك ماضيك حاضرك مستقبلك في انعدام كلي مريع ،أنهم ثقل على ظهرك ،ضيق في قلبك، خدر بأطرافك، صداع مزعج برأسك، غثيان بجوفك ،هذا الصندوق الأسمنتي المحشور فيه ،هذه الزريبة التي بطول سبعة عشر مترا وثمانية وتسعين وبعرض أربع عشر متراوثلاثة وستين ، ما ضمته أمتار مربعة العلية التي لم تتزحزح منها ساعات طوال، شهور عديدة ،أعوام كثيرة وأنت جالس على أريكتك الصغيرة أو ممدود على فراشك الخشن ليلا بكامل طولك وأضيق من أن تسترخي فوقه دون حيطة سقوطك منه ، تظل قاعدا على كرسي قبالة التلفاز،تجول ببصرك بين كوب القهوة،منفضة السجائر على طاولة بثلاثة قوائم رابعهم منزوع،الخزانة التي ضاقت بملابس طالها البلى و لم تعد مسايرة للموضة،مفتاح الإضاءة،تصغي الى صخب الزقاق، صراخ أطفال يلعبون كرة القدم،مواء قطط فوق سطح بيت مجاور، تلاحظ شق رفيع في السقف الذي تتعمد انكشافه في كل لحظة ليلا عندما تعود منهوك القوى متعب الجسد من وسط حشود بالشارع،ربما انزواءك في ركن بيتك تحفك السكينة ويغمرك الهدوء من ضوضاء، أضواء، دينامكية خارج مدارات قوقعتك،تنعم براحة كبيرة من موج الحشد ذهابا وإيابا من …….إلى ….. ومن …… إلى……. برغبة جامحة في التوقف عن سماع أي صوت، التوقف عن رؤية أي شيء وملازمة الصمت ،الجمود، الركود ،الحلم بشوارع خالية من المارة، وجوه خرساء بلا أفواه ،أجساد كسيحة بلا أطراف، سيارات مركونة، قطارات متوقفة، أعمدة الكهرباء بلا تيار،عمارات مهجورة، مقاهي مغلقة، تلك الاشارات الدالة عن عدم النضوح كخربشات الأقلام على اطار أبواب دورةالمياه وكشطحات الألوان على أسوار الملاعب وجدران البنايات،تمزقات و حروق على مقاعد الحافلات وسيارات التاكسي وأرائك قاعات الانتظار.
تطوان/المغرب