أخذ يجرجر رجليه مائلاً برأسه على مقدمة عربته الكارو
أشعة الشمس تخترق جسده النحيل فتحيله لكتلة من اللهب تتصاعد حتى تصل لرأسه مسببة آلام حادة كاد أن ينفجر منها
أخذ ينادي بتؤدة على بضاعته وقد اعتراه الوهن
من الذي سيشتري بطاطا في هذا الجو شديد السخونة
ازدات همساته لنفسه (كيف سأرجع للبيت هكذا خالي الوفاض ومن أين سأسد الأفواه المفتوحة…
لم يتبق إلا أياماً معدودات وتبدأ الدراسة واحتياجات الأولاد تزداد…ماذا سأفعل؟)
حط رحاله كما اعتاد عند وقت الظهيرة بجوار القهوة…أسند ظهره بجوار إحدى عجلات عربته وبلّى ريقه بشربة ماء
الأخبار بتلفاز القهوة الذي يقبع قبالته تتوالى عن إعصار ( دانيال) المدمر القادم قريباً
لا يعرف لماذا تمنى أن يأخذه هذا الإعصار ويرتاح مما فيه من شقاء وعناء منذ طفولته التي لم ير فيها غير البؤس فقد عانى فيها من أب قاس لم يهتم إلا بمزاجه فألقاه ببراثن الشارع تدهسه أرجل وأيادي أصحاب الأعمال من ورشة ميكانيكي إلى محل ترزي إلي مصنع مخللات وفي النهاية أضحى (بائع سريح) رزقه يوم بيوم فهو لم ترق له كل هذه المهن لعل السبب معاملة مَن كان تحت أيديهم أو لم يستجب عقله لتعلم فنون كل صنعة أراد امتهانها وكانت الطامة الكبرى عندما رزئه أيضاً بزيجة جلبت له نكد الدنيا وكان يظن أنه بها سيصل لمبتغى الراحة والهناء حيث أن زوجه ورثت مبلغا محترما من أبيها ولكن تسلط أبيه وتجبره لم يبق منه شئ فقد تحايل عليه واستولى على المبلغ كله وأفناه في ملذاته تاركا إياه وقد ورث منه الفقر والعوز وإمرأة تعايره بمالها الذي بدده عبثاً
وسط استغراقه في ماضيه تقلب الجو فتلبدت السماء بالغيوم والرياح تذرو كل شئ أمامها وانهمرت الأمطار كشلالات تكسح الأخضر واليابس ووجد نفسه أسفل عجلات عربته التي انقلبت رأسا على عقب وحماره يعاند المياه التي جرفته بعيداً بعيداً فانسلت العربة ونزلت في الأعماق أخذ يجدف بيديه منقذاً نفسه من الغرق ولكن هيهات فهناك من يشد أرجله وكلما ارتفع ألقاه للأسفل مرات ومرات نظر إليه بطرف عينيه وهو يلكمه حتى يبتعد عنه إذا بهيئة تشبه المرحوم أبيه محملقاً فيه
-أتيت إليك كي أرحمك مما تسببت لك فيه من شقاء وسأخذك معي
-إلى أين؟
-لعالم الراحة الأبدية..ألا تريدها وتمنيتها منذ قليل
-أنت من؟ أنت تشبه أبي في رسمه ولكن صوتك ليس صوته..من أنت؟
– أنا منقذك…أنا ( دانيال)
– إبتعد عني يا دانيال لا أريد أن أذهب معك…ابتعد يا دانيال..ابتعد يا دانبال
أخذ بدنه يرتج ويجدف بيديه مبعداً من يهز بدنه
فوجد نفسه وقد جلس على أرض يابسة بجوار عربته وحماره ولاأثر لأي ماء والجو هادئ والشمس كاللظى
وصاحب القهوة يهزه ليصحو من غفوته وصياحه الذي جعل كل من بالقهوة يلتف حوله
بسرعة البرق خرّ ساجداً ثم أمسك لجام حماره منادياً بأعلى صوته( بطاطاااا )