كان القطار يقطع ظلمة الطريق بانواره المتوزّعة بين المقدّمة والجوانب، كان صوته المتكرر يحيلُ النائمين إلى غفوات متقطّعة تقضي على المَلل الذّي يشاركهم، كُنّا نحن ُ الأربعة في ملابس متشابهة سُميّت بالخاكي بعلامة البيريّة ننظر إلى رياض الذّي لا يخرج عن الخاكي مع فقدان بيريته وقد وعد نفسه بالحصول عليها ثانيةً عند الصباح من علاوي الحلّة مرتع المتشبثين بالحياة والوعود ومعاكسات صباحيّة عند باعة البيض بالباقلآء مع لقيمات تسّد الرمق أصوات متفرقّة.
كان رياض يتشبث بالنوم رافعاً رقبته إلى جهة النافذة وممدداً رجليه جانباً اخذتنا الغفوة َمع إشتداد البرد المصاحب لنا، نغفو نحن الثلاثة ويصحو هو على حين غفلة كانت أصوات لعلب فارغة تتدحرج بين ارجلنا لم يكن العصير الحلو المذاق متوّفرا فترة الحرب.. سؤال واجهنا لمن تكون هذه العلب المتروكة المتدحرجةبسرعة تحت أقدامنا كُنّا نغفو على رائحة البساطيل التي تركناها جانباً لنسمح لارجلنا بالتمدّد طيلة الطريق، غطّت الغفوة الأخيرة كلّ اسئلتنا.
هذه علاوي الحلّة صاح رياض وهو ينزل إلى محل بيع اللوازم العسكريّة كان آخر ما تذكرناه مِن القطار هو المذياع المفتوح بأغنية مريّن بيكم حمد واحنا بقطار الليل. ضحكنا من صباحنا الذي بدأ بالبيريّةسأل رياض بضحكة صباحيّةمقابلة هل تناسبني؟ نعم.. نعم.. نعم كانت اجوبتنا المبتسرة إنذاراً له حتى نسرع بالحضور عند التاسعة صباحاً لمركز شرحبيل اللجنة الطبيّة، للمرّة الأولى نلتقي نحن غير المسلّحين في بناية واسعة فيها المناضد الجميلة، الساعات الجداريّة، والصور الملونّة والشعارات التي تنتشر بكثرة.
تمنّى رياض ان يبقى هنا كُل يوم كان يغازل جبهة الحرب يراهن على بقائها لسنوات وهي بعد فتيّةمتقّدة بجمرات الأجساد، والعناوين المجهولة كُنّا نعارض البقاء لساعات اُخرى ظنّاَ منّاإنّ دولاب الحرب المستّمر سيجعلنا تحته يوماً ما، وقد يأخذنا النسيان عن المكان الذي ولجنا فيه فيما بعد مِن رغبة مؤقتة.
بدأ النداء على الأسماء كُنّا ضمن الماء الثالثة بعد المائتين عند الظهيرة خرجت الأفواج الضّاجة بالكلام بعنوان سالم مسلّح شاعت الكلمة بين الجنود، إلاّ مَنْ جلس بعدد الأصابع كُنّا نشير إليهم اهؤلاء مَنْ سيبقى غير مسلح؟ لم نكن نضحك بل نحسدهم على كُلّ ضحكة تداولت بينهم وعلى كُلّ مكان سيلجاون اليه يقيهم نار الحديد المتشظي او السجن الذي يبث الفضائح والروائيح بعد صداقة مؤقتّة.
_صاح رياض :انا مَنْ سيفوز مِن المائة الثالثة نظرنا اليه ونحن اعرف به.
_هل تحمل خرزة واقية كما حملها مَن نجا من الاغتيال قال الاوّل.
_لا
_قال الثاني :هل تحمل الأذكار المتكرر في العدد عند كُلّ صلاة.
_لا
_قال الثالث :إذن كيف عرفت بفوزك؟
………
كُنّا نضحك مِن رايهِ حتّى يفرقنا هذا المركز وإنّ شرحبيل قد أنهى حروبه وتفرّغ لنا َمنذ فتوحات لا تنتهي.
اندفعنا جماعات نحو الباب الخارجيّ عند الثالثة ظهراً كانت الكتب ستصلنا تباعاً بصفةسالم مسلّح.
قال احدنا:عجباً لهذه الحرب تنتظرنا جميعاًوتغازلنا على حساب الأرض…
صاح رياض :لقد تحققت أُمنيتي انا مَن فاز بالفحص وعلِم النتيجة، كانت عيناه التي دخل بها عليها غِشاوة مِن نظر ضعيف يفتحها تارةً بقوّة ويتركها على حالها مثار دهشتنا ضحك مبتسماً ما لبث ان أدلى بالتصريح امامنا:انّها لعبة العُلب التي تجرّعتها ليلة البارحة إنّه مفعول الجعة السحري التي شربتها غفلةمنكم.
كُنّا نتذّكر كيف أنهى علبة معجون الأسنان عند صوت مذياع القطار.
تَرَكنا داخل البناية ليتسلّم كتابه فيما اخذت خطواتنا تبتعد عن مركز شرحبيل، كانت عيوننا تنظر إلى سماء غائمة.