جلس العربي بمفرده فوق العشب الأخضر، يتحدث مع نفسه في كل شيء، ولا شيء. الكرة في أدغال افريقيا.. ورطة إسرائيل في قطاع غزة.. نفاق أروبا العجوز.. تهديد جارة كندا بأن تمحو من الخريطة كل من سولت له نفسه الاعتداء على إسرائيل، أو الدفاع عن خصومها..
برم العربي ثالث سيجارة محشوة بالحشيش.. بدت له الأضواء خافتة.. استلقى على ظهره، ثم أشعل (الجوان) وأخذ نفسا عميقا.. نفت سحابة كثيفة من الدخان أمامه.. رأى كوكبة من النجوم تتراقص في السماء.. لم يعد يتذكر من قال بأن أرواح البشر والدول تسكن النجوم.. عندما يموت شخص، أو تسقط دولة ما، يهوى نجم من السماء.. قال بصوت خافت:
ـ لو كنت مسؤولا كبيرا في بلد عربي كبير، لأعلنت الحرب على جارة كندا!..
ـ جارة كندا دفعة واحدة!؟
ـ جارة كندا أم البلايا؟!
ـ جارة كندا تحب بلدك، وتدغدغ عواطفه مرة في السنة على الأقل.. يجب أن تفخر بأن بلدك أول دولة في العالم تعترف باستقلال جارة كندا..
ـ المجاملات الديبلوماسية مثل أحمر الشفاه، يذوب مع تناول الطعام أو تبادل القبل..
ـ ستنهزم!
ـ لكن أنا مهزوم من غير حرب؟!
ـ الهزيمة بعد الحرب تكون أقسى.. المنتصر يفرض شروطا مجحفة، أبسطها استرداد كل ما خسره في الحرب وزيادة.. بعد ذلك يلجأ إلى سرقة خيرات البلد.. وكلما ارتفع منسوب السرقة، ارتفع معه فقر الأهالي.. ثم تبدأ حرب التحرير…
حرقته بقايا (الجوان) في اصبعيه، فرماه بعيدا، وقال معاكسا نفسه:
ـ ماذا لو هزمتَ جارة كندا، وقمتَ باحتلالها؟
ـ مستحيل؟! لن يقع ذلك حتى تلد البغلة ثعلبا؟!
ـ لتلد البغلة ثعلبا! ما المانع؟ كل شيء في هذا الزمن الأغبر ممكن.. من كان يصدق بأن بلد الأنوار يمكن أن يقوده متحولون جنسيا.. الرجل يمكن أن يصبح زوجة ورئيس حكومة أو وزير خارجية، ويلبس مثل النساء، ويمكن أن يحمل، ويستفيد من رخصة الولادة؟!
ـ ليس من السهل هزم جارة كندا واحتلالها!؟
ـ الم تهزمها فيتنام؟
ـ وماذا كسبت؟
ـ عزة النفس في أن تعيش بسلام.. كلما استفردت جارة كندا بدولة إلا وكان الشيطان ثالثهما..
ـ تقصد بأنهما ينامان في فراش واحد، ويطفئان النور، كما يفعل الرجال مع النساء؟!
ـ في العلاقات الدولية، لا فرق اليوم بين الزنا وتبادل القبل من خلف الستار..
ـ حرية شخصية يا أخي؟!
ـ أنت السبب في الخراب الذي ينخر الأمة من الداخل.. تُدخن الحشيش، وتُهلوس باحتلال جارة كندا، ولا تذهب لصلاة الاستسقاء؟!
ـ يعني لو تخليتُ عن تدخين الحشيش، ونصف الحرية، وذهبتُ للصلاة، يمكن أن يسقط المطر، ويعود صدام حسين وعلي عبد الله صالح ومعمر القذافي وسوريا وابن علي وحضرموت وأبو لهب ورحلة الشتاء والصيف!؟.. وهل الحشيش واستعماله هو من كان سببا في اختفائهم من المسرح؟!
ـ ومن قال لك بأنهم اختفوا؟!
ـ أنت الآن دخلت المنطقة المحرمة.. كلاب جارة كندا سينهشون مؤخرتك.. حذار احرس مؤخرتك جيدا حتى لا يحدث معك ما حدث لمن سبقوك.. انتبه لحزامك.. شُدّه حتى لا يسقط السروال، ويأخذون صورة لمؤخرتك، ويضعونها على صفحاتهم في الانستغرام، ويتركون الكلاب تنهش ما تبقى..
العيون التي لا تنام مثل الثلوج عند انخفاض درجات الحرارة، بردها يُمسك الانسان من مؤخرته..
أشعل الهاتف.. وبدا له صوت المغني كأنه طائر يحلق في المدى البعيد:
(مسارح .. وسيما.. وسيرك وأفيش
وكلب الحراسة.. وكرسي الرياسة
وحبة سياسة.. وطربة حشيش
تذاكر يا هانم.. تذاكر يا بيه..
عزيزي المواطن.. عزيزي الفقير
آمالك في بكره بتنقص كثير)*.
الهامش:
*ـ المقطع من أغنية شعبية مصرية
مراكش 02 فبراير 2024