العرب ومسلمو السنَّة كدولٍ وحكومات عموماً (كما يبدو) قد رفعوا اليد عن غزة وما داخلها يسُود ، تاركين المجال للدولة الإيرانية المتحمِّلة في نظرهم مسؤولية تدبير ما حصل ويحصل في ذاك الجزء من التراب الفلسطيني المحتلّ الحدود ، من بعيد قي الجوهر وعن طريق محور المقاومة من قريب كما يظهر وفي كلتا الحالتين الاهتمام بما يلزم لأي معركة ظلّ ممدُود ، لتنفرد إيران دون سواها بما يرمز للشهامة والعزة والصيت المحمُود ، ليس حباً في تلك الدولة الفارسية أو بحثا عن تمكينها من زعامة قد يخلِّد التاريخ محاسنها بأسمى معاني الصمود ، أضِف لذلك ما يتشبَّث به الإيرانيون كثورة زاحفة لنشر العقيدة الشيعية مهما كانت الوسائل ناجعة يتخيَّلونها كدواء يشفي الممعُود ، وخاصة وسط الطرف الآخر المنتمي للسنيِّين أينما تواجد لصد وصايا من ورثوا فيمها عن الآباء والجدود ، وإنما لغاية توريطها في حرب لها ما لها من تبعيات نزعِ طموحات أحد الفريقين الإيراني أو الأمريكي من طريق تلك المنطقة المشتعلة من عقُود ، بما حان وقت تفجيرها عسى الطبيعي لمجراه يقُود ، وتمكين المستَحِقِّ بالحق من حقِّه دون استغلال في غير محله لظروف أو طارئ مِن دَفْعِ طامعِ مجنونٍ بمظاهر التعالي والعظمة وامتلاك ما لا يجوز امتلاكه مهما بلغ من نفُوذ ، لقاعدة ثابتة أن كل مَن فوق التراب يمشي تراب على الأرض موجود ، منه صُنِع وإليه يعود .
فطِنت إيران إلى الموقف الذي ينتظرها إن ذهبت لأكثر ما ذهبت إليه لحد الساعة في معركتها الصامتة مع الولايات المتحدة الأمريكية ، أقل ما في ذاك الموقف الخطير أن تجد نفسها الوحيدة وسط المعمعة دون شريك أو حليف أو حتى مساعد لها إن اقتضت الظروف لطلبها المساعدة ، بينما الجانب الآخر لن يشهد وقوف الولايات المتحدة الأمريكية وحدها بل ستتسارع دول اوربية وحتى بعض العربية لترافقها وما يلزم من عدة وعتاد ، بما يفوق لمرات ومرات قدرات إيران التي مهما برعت وابتدعت وأثارت بشجاعتها وتنظيم تنظيمها المحكم إعجاب نسبة محترمة من المتتبعين عبر العالم ، ستكون نهايتها شبيهة بما عرفته ألمانيا – هتلر خلال الحرب العالمية الثانية على يد الحلفاء بزعامة أمريكية ، لذا بقيت حريصة أن تنأى بذاتها عن اصطدام مسلح موسع مباشر مع عدوَّتها الأولى والأخيرة الأكثر قوة على الأرض من دول البشر قاطبة ، لاعتبارات لم تتكوَّن من فراغ وإنما عبر أزمنة شهد من خلالها شعب وافد من أوربا العجوز هارب معظمه من وطأة ظلم النبلاء حكام المملكة المتحدة وفرنسا تحديداً ، ليكوِّنوا بعد جهد جهيد ومحن وتشرد وحروب ، تحالفاً جماهيرياً قاده رواد عقلاء بتأسيس قوانين تصب كلها دون استثناء في احترام حقوق الإنسان ، فعاشوا في تناغم حميد تسودهم عادات أقلها الحث عن التطور المتجدد الضامن استمرارية الحياة بما تتطلبه من اعتماد على النفس وزرع ما يفيد الجميع خدمة لدولة واحدة موحدة أصبحت الأولى لتجتهد حتى تظل على نفس الدرجة والقيمة السياسية والاقتصادية ، ولولا إسرائيل التي حاولت ولا تزال جرَّ هذه الدولة الأمريكية لتكون على نقيض ما تأسست من أجله ، المذكور جزء بسيط منه آنفا ، لكانت فاصلة بالحق بين الأخيرة وفلسطين ، طبعاً لليهود صفة التأثير العجيب لقلب الحقائق بصورة تمثل تركيبتهم العقلية بما تحويه من عقدٍ نفسية تدفعهم للشعور بالراحة كلما زرعوا الفتن وأشعلوا حرائق التخاصم ومباركة الحقد والكراهية بين بشر يعتبرونهم أقل شأن منهم ، فخططوا واسندوا التنفيذ لمن تسرَّب لتحمل مسؤولية إدارة الحكم الأمريكي ليحصلوا على منافع ميزت نفوذهم وهم يسيطرون بالتدرج على ما يرغبون لقضاء مآربهم الداخلية كطائفة تسعى لحكم العالم وإقامة دولة خاصة يسترجعون من خلالها ما أضاعوه على امتداد عصور انطلاقا من عهد موسى عليه السلام إلى الآن ، وبكونهم لا يستطيعون القيام لانجاز ذلك وحدهم ، عملوا على تطويع أكبر قوة في العالم لتكون حاميتهم وطوع أمرهم ، وما يحدث في قطاع غزة يندرج في هذا الإطار كبداية وحسب ، يتبعه القضاء بأي ثمن على إيران ما دامت القائمة بصلابة مثالية حيال أطماعها المعروفة لذا العامة ، لذا من رغبات إسرائيل الآنية إقحام الدولة الفارسية نفسها في مغامرة الحرب الكائنة مقدمتها الأساسية في غزة ، ممَّا جعل الرئيس جو بيدن يستعجل مجلس النواب الأمريكي للمصادقة على مساعدة مالية موجهة لإسرائيل مقدارها أربعة عشر مليار دولار ، إضافة لما سيأتي تبيانه مستقبلاً.