غزة … رمز العزة 15 أكتوبر 2014 اقتربت الساعة من العاشرة صباحًا، وقد كنت أسابق الزمن للوصول في الموعد إلى ساحة الأمم قبالة محكمة الاستئناف، حيث سيتم هناك تنظيم وقفة احتجاجية من طرف “هيئة المحامين” بطنجة ضد الجرائم الإسرائيلية، تلك التي يرتكبها الكيان الصهيوني، والتي تحَدَّت جميع الأعراف الدولية تُجاه الشعب الفلسطيني الأعزل، رنّ في أذنَيَّ ساعتها بعضًا من استغاثات إخواننا الفلسطينيين، ووضعت نفسي مواضعهم، وأدرت حوارًا سريعًا بيني وبين نفسي المكلومة المقهورة ممَّا يحدث لذوينا هناك.. من قصفٍ للمباني والمستشفيات، وتلوثٍ لمياه الشرب، ونقصٍ حادٍّ في الأدوية وووو.. كيف لإنسان أن يعيش وسط هذه المحرقة؟! ناهيك عن قتل جميع الكائنات الحية جرَّاء هذا القصف: البشر والنبات والحيوان.. وتنبهت إلى أبواق السيارات تطلق نفيرها، ووصلت أخيرًا، فوجدت الزميلات و الزملاء قد نظموا أنفسهم، وشكَّلوا دائرة توسطها النقيب المناضل المرحوم “عبد السلام البقيوي” ذلك الرجل المهموم بقضايا المحامين الحياتية، وقضايا الأمة العربية كافة.. بدا المشهد مهيبًا من بعيد والجميع متّشحٌ بالسواد، كلوحة فنية أبدع صاحبها في تشكيل رسائلها السامية، فسواد هذه “البذل” يُعَدَّ صرخة في وجه كل ضمير حَيٍّ بهذا العالم البائس الصامت، ذلك الصمت الذي يشبه صمت القبور عن هذه المحرقة.. حيث إنه يدع هذا الكيان الصهيوني اللقيط يفعل ما يشاء بأهلنا في فلسطين-وفي غزة بالذات- دون رقيب، أو حسيب! ورغم حلكة هذه اللوحة السوداء، فإن هناك ذلك الجزء البسيط من بياضها الذي يتمثل في الأمل الذي نتشبَّث به ما حيينا؛ فلعل الشمس تشرق يومًا على زوال ذلك الكيان الغاصب . بحماس وعنفوان شبابي قلَّ نظيره اخترق النقيب “عبد السلام البقيوي”- رحمة الله عليه- الجمع وتوسط الدائرة التي شكَّلها المحتجّون، ودون أن يستعين بمكبر الصوت طلب منا- في حماسة حفزه عليها موقفه المشهود كعربي أصيل، وكمغربي نبيل يحمل عبء توصيل رسالة للأمة جمعاء.. طلب منا النقيب أن نردِّدَ معًا شعارًا سيطلقه بعبارة (واحد)، ولقد احمرَّ وجهُهُ كأنما هو جندي يقود معركة حامية الوطيس، وصار يصرخ بحماس ( الدم العربي )، ونحن نردّ عليه (واحد )…. المصير العربي …. واحد …. الشرف العربي …واحد.. الضمير العربي …. واحد، شعرت من صدق إحساس النقيب حينها أننا فعلًا من طنجة والكويرة إلى غزة وجنين جسد واحد.. شعرت بأن العروبة قد انصهرت وتحَوَّلتْ إلى كرات دم تحتوي العزة العربية والإباء والشرف والكرامة، أحسست بأنها سالت في دمي حماسة وعزة وشرفًا، وتضاعف بعدها رفع النقيب صوته وردَّد شعارًا لا زالت كلماته منقوشة في ذهني محفورة في كياني؛ كان يقول بحماس وقوة كأنه شابٌّ في العشرينيات من عمره: (غزة غزة رمز العزة)، فنعيد وراءه جميعًا الجملة نفسها في حماسٍ مملوءٍ بالشجن، والحزن والقهر:(غزة غزة رمز العزة )،.. غزة غزة رمز العزة. تساءلت حينها وأنا أكرر العبارة: لماذا غزة بالذات وليس اسمًا آخر… ويشاء الله أن أعرف الجواب، وأتعلمه وأعيشه في أواخر السنة الماضية، وبعد عشر سنوات تقريبًا من وقفة “غزة رمز العزة”.