وطني عصفور يتمرّغ في دمي
ويغرّد على غصن القلب
ويرفرف في نسائم الروح
في غبش البلجة
يحملني إلى آفاق لامرئية
مزدانة بينابيع الفجر
وأقاحي السماء.
عشتار…
وجهها حافلٌ بالقداسة والحنين
تبدأ رحلتها الأزلية في قطار الشمس
نحو مرافئ المنافي
لتعيد الطيور المهجّرة إلى أعشاشها التليدة
وتمد ابتسامتها النورانية على وجوه العشاق
العائدين من مطاوي النسيان
فتنفجر الغيوم فوق وادي الرافدين
الذي يحمل في أعماقه كنوز الآلهة
لتروي الأرض العطشى
ولتحصد عرائس آشور القادمة على جياد الريح
سنابل الأحلام والأنوار
من حقول المستحيل
لتغرد العصافير على أفنان أهدابها
جذلى كصفصاف تحت وابل المطر.
آهٍ…
يا منقذ هذا الشعب المشرد في فيافي التيه
قد طال غيابك تحت تراب الأرض
وفي قداديس السموات.
متى ستثور الزوابع والعواصف
لتجلو عن وجه العراق غمام الظلام
لترفرف حمامة الضوء فوق حدائق بابل
وينبثق من بين الأدغال گلگامش المبجّل
وهو يحمل مشعل الخلاص
يتبعه أنكيدو في مواكب الأمطار
ممتطياً حصانه السماوي البراق
لينير كل شوارع المدن المنسية
ويزيل عنها أدران وأرجاس ديايثة العصر.
جاء يرتدي حلّة التراب القشيبة
مزهواً كطاووس يتغطرس فوق سندس المروج
يجر ظله مرصّعاً بألوان قوس قزح
تنطلق من عينيه السابلتين فراشات الفجر
تضيء أغوار الظلمات
تتألق على زقورة أور
وتحط على أسوار نينوى
لتترامى ظلالها على قمم جبال آشور
وكل سهوب وادي الرافدين.
أطفال بلادي
عيونهم تومض في غياهب الديجور
أحلامهم تضيء في رمال الصحراء
يتوغلون في نسغ الأرض
ويتوضأون بغبار النجوم
تتأجج في دمائهم نيران البهجة
فيقرعون نواقيس الفجر
على بوّابات مدن الأحزان
ويرتلون تسابيح العشق الإلهي
في معابد سومر
ويسكبون على ضفاف دجلة والفرات
طيوب الأضواء
والأمطار القدسيّة الخلابة.
أيتها المتشحة برداء الموت
الغافية في حدقة الظلام
تتوهجين كقنديل الشوق في الذاكرة
وتطلين كرنين العشق على شرفة القلب
أنت فاتنةٌ
تسكبين النار في مسامات الثلج
تفتحين ثقباً في خاصرة الليل
وتمنحين الأرض سحر الأنهار القصية
يا أنشودة الحصاد
أنتِ….
أروع من شروق الشمس من وراء الغيم
وأبدع من سنبلة القمح في دفتر الأطفال الجياع
وأجمل من صورة رغيف طازج على مائدة الفقراء
أنت وهوهة الفرس الجامح بعد السباق الطويل
تنبجسين كحمامة في الحلم
مصقولة برذاذ الشعاع
تقاوم طقوس الغياب
أنتِ المرآة العاكسة لأحزان شعبك
متى ما ثارت العاصفة
وهاج البحر
عليك أن تعلميننا
كيف نبني بيوتنا بين الأمواج.
كل حدودك يا وطني
مرسومةٌ بدموع الأطفال والنساء
ومقابر الشهداء.
الشهيد الذي تتدفق من قبره شآبيب النور
هو أطهر من أي قديس يقطر منه الزيت الطهور
هو شلال العطاء في الأرض
حاول أن يعتقنا من قيود العبودية الصدئة
والأخذ بيدنا إلى واحات الحرية الفيحاء
يفوح أريج دمه في أوصال الغيم
كالقمر يتألق فوق سارية التاريخ
يتجلى في شهقات النجوم
وينبض في أوردة الأحرار
كلما غاص في البحر
سمع وشوشات النار
وقطف من اللهيب أزاهير الأمل
ليفتح الطريق لأجيال المستقبل.
أوروك
عنقاء الحضارات
في سمائها
تجّلت إنانا في نجمة الصباح
وفي آفاقها
تراءى آشور في قرص الشمس
ونبتت لأنليل أجنحة من الزمرد
تضيء مدارج الأكوان
وبين ذراعيه احتضنها سرگون الأكادي
ليصوغ منها أول امبراطورية في التاريخ
لتنعكس أنوارها على العالم أجمع
واليوم…
تسربلتها الأحزان والويلات
زحفت إليها عقارب الصحراء
فصارت تصارع الجوع والقهر والضياع
وتردّد نشيد الولادة الجديدة
دماؤها تهرول فوق أرصفة الموت
وتنساب في سراديب الجحيم
تشع في مقلتيها ملامح سنحريب
وهو يدشّن في السهول والجبال
قنوات المستقبل
محتفلا بموسم البذار
والجموع من حوله يردّدون أغنية الحصاد
أوروك…
يعاودها الشوق لملاحم البطولات
ولكن….
تفجعها مناظر الجدران والحدائق المنهارة
فتستطلع خفايا النبوءات
بأن العراق سينهض من الرماد كالفينيق
وسينجب في السنين العجاف
جحافل السنابل التي ستزهر يوما
على ضفاف النهرين الخالدين
وسيغادر بوابة عشتار
ليلج بوابة الشمس.
الغبي البليد الأحمق
مهما حشوت في جمجمته أفكاراً نيّرة
سيظل عبداً للأوهام الموروثة
يسبّح ليل نهار
بحمد قاتله.