ــ هناك من الكتب ما يمنحك معرفة مضاعفة، ويزيد من مساحة إدراكك لما قرأتَ وإطلعت عليه ، كل هذا بفعل إشتباك المؤلف / الكاتب مع فلسفة الآخرومحاورة أفكارهِ، والكشف عن معطياتٍ جديدةٍ بل صادمة ربما ناتجة عن مجمل هذا الإشتباك.
والشاعروالكاتب ” مقداد مسعود” في كتابه ( كناية الديا لكتيك 9 والصادر حديثا عن دار المكتبة الأهلية في البصرة بطبعته الأولى 2023.وبواقع 146 صفحة قطع متوسط. حيث يقدم لنا متناً فكريا ً على شكل ” منصات ” شكلت بمجملها فصول الكتاب او مباحثه. وسعت هذه المنصات للدخول الى عمق الفلسفة في ماضيها وحاضرها.
هذا الإشتباك المعرفي في حقله الفلسفي يحضر فيه المؤلف مسائلاً وناقداً ومحاوراً لمجما أفكارمن تناولهم في كتابه هذا، من مفكرين وفلا سفة على منصاته الثقافية ، دليله في هذا أن يصحبنا في نزهة ٍ،منطوقها ” في هذه النزهه تجردت من الشاعرالذي أتوهمني، فانا لستُ من الباحثين الإكاديميين ،ولا أريد أن أكون ، ما كتبتهُ سرداً لا اجرده من الشعرية ،وما أكتبهُ لا أقيده بمنهج علمي معين ..قراءتي تغترفُ من خبرتي في الحياة والكتب ” ص12.
المنصة الأولى كانت كتاب ( الأخلاق في عصر الحداثة ) للمفكر البولندي زيغمونت باومان ،ومساءلة المؤلف لمجمل الأفكار التي طرحها المفكر باومان والتي تصب جميعها في مواجهتنا كذوات لهذا العالم المتغيرفي حداثته السائلة.حتى ان المفكر باومان لايقترح حلولاً تنقذنا من متاهة عالمنا الذي استحال الى حكايات منفصلة .
المنصة الثانية جاءت تحت عنوان ( آميل سيوران ..التخصص في العواء وحياكة الجليد )، إذ يرى المؤلف أن سيوران ” هو وريث شرعي لفلسفة نيتشة ، يغرس ريشته في محبرة نيتشة ليرسم قلبه هو لا قلب نيتشة، فهو يفكر بتوقيت نبضات قلبه هو ، فثمة مختلف بكثافة فاصلة “. إذ يبقى سيوران يشعرن سرود فلسفته ويموسقها سوداويته ،ويضخ فيها الكثيرمن إشراقات البهجة، يلتقط الجوهرويصوغه شذرات ويغرس الشذرات مصوغات ذهبية “.
( أفلاطون ..بعيداً عن كهفهِ) عنوان المنصة الثالثة ،حيث يذهب المؤلف مقداد مسعود لجذور الفلسفة الإفلاطونية ومكوناتها وكشف المضمرفيها، من هنا كان نتاج إفلاطون كله يتأطرُ ب ” صدمة الألم ” على موت المعلم سقراط !! لذا حاول ( الكشف عن الطرق التي تتيح للحكام أن يسيروا نحو نظام اكثرهجساً بالعدالة ونحو مجتمع يستطيع فيه سقراط أن يعيش وأن يعبربحرية ).
وتتتابع سرود المؤلف ملاحقا الأفكار والفلسفات ليتوقف عند الفيلسوف الألماني ” هيغل” عبر القول ( أن هيغل ليس محض فيلسوف عابرفي عقل أوربا وقد أكتملت الميتافيزيقيا الغربية بسماتها الكليانية . لم يجمع هيغل فلسفته كقطع غيارمن سواه، وما قام به هو ( ترابط عضوي منذ بداية نشأة الفلسفة صعوداً الى قمتها الميتافيزيقية).
وللفيلسوف ” بول ريكور” وقفة في متن الكتاب عبر مدخله العريض ( أن الفيلسوف بول ريكوروفي كل كتاباته يدعو القارئ الى مأدبة فلسفية عامرة وللقارئ الحق في الرفض او الاختيار). ليفيض المؤلف مسعود عبر المرجعيات الثقافية للفيلسوف المعاصرعبر هذا المنطوق ( ان ريكورتميز بثقافة مزدوجة ــ توراتية ــ اغريقية ــ وسمت كتاباته الأولى بسمة دينية باطنية ترنو لبلوغ تأمل ذاتي يجعل من الافلاطونية المسيحية عنوانه الأبرز.
المنصة الأخيرة في الكتاب تحت عنوان ( كناية الديالكتيك ) وفيها مناقشات مستفيضة من لدن المؤلف لجملة أفكارفلاسفة في النظرالى العصر الحديث وانعكاس هذه الفلسفات على المجتمعات التي حلت فيها، وبالتالي فأن (اذا كانت الفلسفات قد صاغت العالم سؤالاً يبحث عن إجابة؟ فأن جهودها العظمى اكتفت بتفسيرالعالم وتكرار إنتاجية التفسير بأسهاب.