يتباطئ نبض قلبي بين الحين والآخر، وبه ألم على شكل شرارة كهرباء، تطل بعد صمت، وكأنه ينذر بإنطفاء مفاجئ، وأنا مستلق على السرير أنقلب ذات اليمين وذات الشمال، حتى أيقظت زوحتي من النوم،
تسألني ذات السؤال؛
ماذا بك؟
لأجيبها ذات الجواب؛
أنا بخير، مجرد عياء وسيمر،
إنها الثانية صباحا، وأنا على ذات الحال، لن أنام اليوم فأرقي قد حل هذا الصباح، أنزل من على السرير الى الأرض لعلها تمتص بعض الحرارة التى أذابت شحوم بطني المترهل، تنام زوجتي بعد نقاش مستفيض، بعدما فقدت الأمل في معرفة ما ألمّ بي في جنح الظلام، أجنح أنا الى مذكرة هاتفي لأخبرها حقيقة أمري لعلها تساعدني في نسيان نفسي أو على الأقل ربما أنسى أنا نفسي بين ثنايا الكلمات ..
مرت أشهر على يوم زفافي، ومنذ ذلك الحين وأنا أتدبدب بين لحظات الإبتسامة ولحظات الهلع، بين فرحة الزواج وتناقضات المجتمع، ونفاق الأقارب، بين تغير الأحوال، ومشيئة الأقدار، بين المرغوب والمكتوب، أجدني أسيرا لحقيقة غريبة تبدو لمن يعرفني بسيطة، وأعيشها أنا بذات التعقيد الذي عشت به حياتي منذ صرخة الخلاص..
تنتابني نوبات ألم خلف رأسي من حين لآخر، وتنسد فتحات أنفي لتعلن عن صداع، أصمد في وجهه وأنا رهين ابتسامة صفراء، بمجرد أن تغادر محياي، يرون منها تكبرا أو غرورا، أخفي ألمي خلف تجاعيد وجهي، ووجعي خلف نكتي البالية، أعيدها كل مرة ليضحك من حولي، بل وأعيدها بيني وبين نفسي وأضحك كالمعتوه،
قد أبدو بخير من بعيد، فأنا أرتدي ملابسي وأتجه صوب المسجد كل صلاة، وأعين المصلين تلمحني، تتحسس مشاعري، بين من يراني قدوة لنفسه ولبنيه، ومن يراني متعجرفا تيسرت أموره بعدما كان يقتات من فتات ..
قد أبدو بخير حين أتجه الى السوق مجبرا لأتبضع، لأجد من المارة من يراني مشروع متبرع، ومن ينتظر مني إلقاء تحية، ومن أثير اشمئزازه، قد أبدو غريبا في أعين البعض ومألوفا في نظر آخرين، ولكنني أكثر غرابة مما يتصورون، والأشد غرابة أن أغلبهم سيكون قد خلد الى النوم منذ ساعات، وهو ينتظر الفجر بفارغ الصبر، في حين أنا الذي أبدو في أعينهم أعيش في رفاه وسعادة، لا يعلمون أي شيء عن نوبات أرقي المؤلمة وسط ثنايا الظلام ..
نعلم تماما سبب النوم العميق الذي يباغتنا بعد عناء، ولكن قد نبدو أغبياء حين نتساءل عن أسباب الأرق بعد جهد وعياء، لن يكون هذا السؤال إلا بداية للإستيعاب، أو ربما بوادر جنون ..
أنا لست مجنونا، أنا فقط أطرح السؤال ولا أبتغي له أي جواب، فلن يغير الجواب من شدة نوبات الأرق التى لازمتني منذ سنوات، ربما الفرق أنني كنت وحيدا ذات يوم، وربطت الأرق بالوحدة، واليوم تنام بجانبي زوجة باغتها النوم وسط التساؤلات، وتركتني لأستمر فيما كنته دوما..
رغم أنني أضغط عليها وأصرح بكل موقف كان تافها أو صريحا، إلا أنها استسلمت للنوم قبلي، وصوت أنفاسها يحيط بصمت الغرفة، ومن حين لآخر تطلق تنهيدة عياء، سأعتذر منها أما أوراق مذكرتي فقد أجرها بلساني السليط، وأنا الذي أبدو كالملاك أمام الملأ، أجمع لها كل تصرف، كل كلمة، كل فعل، ثم ألومها بعد ذلك على ما يحدث بالكون ..
بي تراكمات سنوات، وبي أيضا تراكمات أجيال، كأن العالم كتب له أن يحمل على ظهري، مغفل أنا وسط الليل والكل نائم، ولا صوت يعلو فوق أصوات الكلاب والحمير، قد يصل الصباح قبل أن أنام، وقد يسكت قلبي قبل أنام، أو قد يسكت قلبي قبل الصباح، وربما أستيقظ في الصباح، لأعيش يومي عاديا كأن لا شيء حدث بعد منتصف الليل، قد أستيقظ لأتجه الى المسجد وقد حلت الجمعة بعد يوم خميس حافل، يذكرني دائما بذاته، لن يكون إلا خميساً أسوداً ..
أغادر المذكرة لأنسى أمر شرارة الكهرباء، ونوبات رأسي المتكررة، أدخل “تويتر” ملاذا، لأتوقف على آية كريمة،”لا تخف ولا تحزن إنا منجوك” كتبها أحدهم وأصحبها بكلمة إطمئن، أبتسم من جديد بعدما دخلت دوامة كآبة، لست خائفا ولست حزينا، أنا لا أعلم ماذا بي أساسا! لماذا هذه الآية الآن؟ وأنا من وضع أمامي كل احتمال، وماذا تعني النحاة؟ هل هي حياة أم الذهاب الى دار البقاء؟
غريب أمري حقيقة، أتصبب عرقا، أمسح وجهي بمنشفة مبللة، وإذا بصوت سعال يأتي من الغرفة المجاورة، ربما سعال أمي المسكينة، أو صوت إحدى أخواتي، يعود الصمت بعد ثوان، وتعود معه قطرات عرق باردة الى جبيني ..
أجلس وسط الظلام، وقد غابت عن ذاكرتي كل الإتجاهات، أبحث عن نافذة الغرفة، لأتحسس الحياة، لن أرى شيئا فغرفتي لا تطل على أمواج بحر، ولا على كثبان رمل أو ثلوج جبال، غرفتي كشأن غرف الكل هنا، تطل على بهو فارغ يسوده الظلام ..