لا يكف السكارى عن الترنح وغالبا وأكثر فأكثر ما يتعثرون في سيرهم بعيدا عن عيون السلطة والفضوليين وتموضع داره بمحاذاة الغابة اتخذها بابا علي (البغل الحرون) سقفا يأويه وشبه حانة لمعاقرة الخمر وبيعها للفلاحين البسطاء ولا يكتفي بإفراغ جيوبهم مقابل خمرة مغشوشة،بل يتعمد صب لعناته عليهم نادبا حظه العاثر الذي جعله خادما طيعا لهم ،وإمعانا في تحقيرهم ينعتهم بزرائب متحركة لعفونة الروث عالق بثيابهم و بوسلهام (المرضي) من مرتادي خمارته وصديقه الأثيري إثر انتفاخ رأسه بخيلات العربدة وامتلاء كرشه بالشراب حتى كاد أن يتقيأ ليفرغ ما في بطنه أدى ما بذمته للساقي ،و ودع شلته،وانطلق في طريقه يشق العتمة دون أدنى إنارة ولو بعود الثقاب، معتمدا على كونه أنه ابن البلد يلم بكل تضاريس المنطقة،و يعرف تفاصيل كل البيوت التي تصادفه في سيره لبيته، أول بيت لعمي العياشي الذي يتعالى سعاله الشديد كمحرك شاحنة جاف من شدة ما يدخنه من نبات القنب، يليه بعد ترعة الساقية بستان سي أحمد (المجنون) الذي يتحدث مع نفسه وربما مع بقراته التي يسمع خوارها من بعيد ،وفي نهاية المنعطف تقبع دار خالتي زهرة مربية القطط والتي مواؤها لا يفتر إلا نادرا، وفي مقابلها أقصى اليسار بستان الحاج المعطي المجهز بالإنذار المبكر من كلاب شرسة تنبح ولو خطت الريح عتبته.وبعد اجتياز القنطرة القديمة وبمحاذاة الطريق الذي اصطفت أشجار التوت على جانبيه يقع *جنان لالة رحمة الذي به داران دار قديمة وأخرى حديثة واللتان لا يخلو منهما لغط وجلبة لأبنائها وأحفادها وحمارها الأصهب الذي يرفع عقيرته بنهيق متواصل لمرأى شياطين أو ربما إصراره على إزعاج معذبيه من عشيرتها، وفي غمرة سيره الحثيث تعثرت قدماه ليسقط مرتطما رأسه بشيء صلب وكاد أن يغمى عليه، لولا قشعريرة برد كهربت جسده الذي غاص حتى شارف على الاختناق ليتمالك نفسه ويسترد وعيه ويطفو على السطح متحسسا بيده مكانه،ليكتشف أنه سقط في بئر، فيصحو من سكره ويفيق من نشوته. ودارت أسئلة في رأسه، كيف حاديت عن طريقي المعتاد؟ إنه أبعد من مسكني؟ دون إجابات شافية بدأ يصرخ مستغيثا النجدة….. النجدة….
—
•بستان