يكشف لنا العنوان عن حالة هيام لدى الشاعر، يعتبر نفسه أول العاشقين، كما تكشف لنا صورة الغلاف عن لوحة فنية لمنظر البحر عند المساء وحلول الليل، وهي للفنان العالمي بيكاسو، كما يطغى اللون الأزرق على واجهة الغلاف، وفي ظهر الغلاف صورة للشاعر، والكتاب من إصدارات جامعة المبدعين المغاربة بالبيضاء.
وأنت ترهف السمع وتصغي لقصائد الشاعر المغربي محمد فريد الرياحي، في ديوانه: “أنا أول العاشقين”. الذي يقع في 67 صفحة من الحجم المتوسط، تبهرك الكلمة الشعرية بموسيقى تترنم على إيقاعات وجدانية ذاتية، تُذَكِّر ببراعة الرومانسيين، وجمال وروعة إبداعاتهم، تنساب اللغة الشعرية بسحرها متدفقة رقراقة، تحاكي بجمالها أسرار الطبيعة وتعانق دلالات الكون ورمزيته:
يقول الشاعر:
“وإذ قلنا للشاعر لا تقرب شجرة التوت:
أيها الشاعر قل في العشق ألوانا من الشعر
ولا ترغب على الوهم إلى وحي صداها
يا زمان التوت هذا البحر في فورته مستبقا
إشراقها لكنها في الكفر قد خانت هداها
يا زمان التوت هذا البحر في غرته يبغي عناقا من سواها
ألفت في رحلة التيه عتوا ونفورا
فيهما أورق غدر اعتلى الليل فتاها
أزف الليل فويل
لعروس قتلت في ليلة العشق فتاها “
جمال في جمال هي القصيدة بكل سطورها، ولكن سنحاول تفكيك عناصرها وصورها الشعرية:
هي مناجاة نفسية شعرية يصف الشاعر فيها البحر في فورته وعتوه ونفوره، إنه بحر مدينة السعيدية، الذي جعل الشعر عشقا وألوانا من العشق والأخيلة، حتى يحل الليل بسرمديته، وسكونه، ولحظته الداجية.
وفي قصيدة ليلى:
“ذهبت ليلى بالحسن فما
في رائعتي إلا ليلى
أقسمت بشعري إن لها
مني أسرارا لا تبلى
وهياما ليس له مثل
وحديثا في اللقيا يتلى
وحنينا أحمر ما أبهاه
إذ أضحى وإذ جلى”
يختار الشاعر ألفاظه بعناية، ليشكل صوره قصائده، فيضفي عليها من سحر وحلاوة اللغة، يحرك مشاعر الهيام التي تتغزل في ليلى، في انتظار تحقيق الوصل وسمر الأحاديث، هي في نظر الشاعر شَهد حلاوة، وجمال فائق يزيد من الوله والعشق، إذ يعترف الشاعر في عنوان كتابه أنه أول العاشقين.
وفي الإهداء نجد العبارة التالية:
“منه عاشقة لونها في الولادة لون المشارق
عاشقة في الفرادة
تسكنني هي عاشقة في القلائد تلبسني وأنا عاشق في الفرائد
ألبسها ليلنا أيها البحر ليل طويل”
وليكن الشعر إذن هو الحياة، لكل شاعر عاشق، هو بوح غزلي، يخاطب به الشاعر المناظر الطبيعية المتمثلة في البحر والليل وجمال وعذوبة المساء، تسكنه فرادة يلبس أحاسيسها ومعانيها.
“من جلال السكر من وحي هوانا
أنت يا أخت على أندلس الإشراق”
قصيدة مارينا
” وأنا وترانيم غرناطة في العيان
أيها البحر إن حضرت مارجان
حضر الشعر في رائقات المكان”
يحضر في المقاطع الشعرية التالية، رمزية الأمكنة، وتاريخها، تاريخ المغرب، استحضار لعصوره الزاهية، في غرناطة وفي الأندلس، ترانيم تعبق بالأصالة والفرادة، عشق ليس له حدود، يضرب في عمق تاريخ جمال وروعة الأندلس.
“بالساكن أبدأ يا من تسكنني
في رائعة الإشراقة أحرفها
يا من باللمحة تسمعني
نبضا من ديوان الأسرار وتلهمني
فيضا من قافية منعت
في ليل الشعر من التنوين
فلست على وقع التفعيلة أصرفها”
هو احتفاء بالشعر، بالمرأة وبالزمن، تلهم بعشقها قريحة الشاعر محمد فريد الرياحي، وتنبض بديوانها العتيق، وأسرار فيض قوافيها، دلالات العلاقة التي تجمع بين زمن العشق والمرأة، ومكوناته: المساء، الليل، الإشراق، تعاقب الأزمنة، لحظات الفرح بالموسيقى، بلغة معتقة من رعيل الرومانسيين ومعجمهم، يسقينا الشاعر من ذلك الثرا