تناقل الناس في كفر المنسي أبوقتب أن سمكة كبيرة تخرج منتصف الليل عند ضفة النهر قبالة موردة الشيخ صفوان؛ رأسها يشبه رأس جمل عم رمضان؛ مؤكد أن الكثيرين شاهدوهما معا؛ حين يصلي يبرك الجمل؛ يقسم أحد الدراويش أن النخلة العجوز تخر ساجدة معهما!
أغرب من هذا يمزحان بل يتبادلان الضحك؛ يدخن سيجارة تبغ ملفوفة؛ المدهش أنه كان يخرج دخانا يتماوج كماء النهر!
تقول الشائعة: سمكة أرسلتها جهة معادية؛ كفرنا محسود؛ فنسوته ممتلئات الأرداف؛ حين أصابت تجاعيد الزمن وجوههن أشار عليهن سلومة العطار أن يضعن زيت السمكة المباركة طلاء؛ أما الرجال فقد طالت شواربهم حتى وقفت الصقور عليها؛ لم أجد في كفر المنسي أبوقتب واحدا يكذب تلك الشائعة؛ اجتمع الصيادون ومن ورائهم مسئولو الحكومة؛ هذه ثروة جديرة بأن تسهم في زيادة الدخل القومي؛ ذلك طرف من حديث زبائن دكانة حلومة المزين؛ غير بعيد من زاوية المسجد يبتاع الصغار أعواد القصب من عم شعلة؛ غير أن أحد الماكرين الذين لايصدقون ما يتناقله الناس؛ وجدها فرصة حين تخلو الشوارع من المارة المنشغلون بتتبع أخبار السمكة فيسطو على دوار الوسية ومن ثم يحتاز أجولة القمح؛ انطلق جمل عم رمضان عند منتصف الليل حين كان القمر بدر التمام؛ يترقب السمكة العجيبة؛ لما رآه الناس أخذوا يكبرون؛ تلك علامة ولاية عم رمضان؛ فهذا الجمل مبارك لاشك في هذا؛ تساءلوا مايفعلون؛ سيما وكفر المنسي أبوقتب يخلو من الأولياء الذين تتنزل البركة من السماء لأجلهم؛ في القرى المجاورة مقامات وموالد؟
غير معقول أن يظل كفرنا خاليا من الأولياء!
اقترح أحدهم أن يلقوا في النهر أجولة القمح التى اختزنوها لأيام الشتاء؛ إذا شبعت السمكة فغير بعيد ستبيض ذهبا؛ تبث الإذاعة في صدر نشرتها اليومية أخبارا عن سمكة كفر المنسي أبوقتب؛ توافد رجال الصحافة؛ بدأ الناس ينشغلون بهذه السمكة العجيبة؛ أحد الذين يعلقون مسبحة تقارب المتر ويضع فوق رأسه عمامة خضراء يزعم أن هذه سمكة سيدنا الخضر حين اعتزل موسى غضبان أسفا!
الذي سرق القمح تسلل خفية وملأ الأجولة بالحصى؛ توافدوا يحملونها ومن ثم ألقوا بها في الماء؛ حين ساهم عم رمضان بجمله؛ تململ من حمله؛ إذ أوجعه الحصى!
غار ماء النهر؛ فلما كان منتصف الليل ترقبوا السمكة ذات الذيل المحنى بالذهب؛ لم تأت؛ أخذ الجمل المبارك يخرج رغاءه؛ يضرب برأسه الرجل الذي سرق القمح؛ لم يكتف بهذا بل برك عليه؛ اختفت السمكة التي كانت كنزا!
استبعدت الحيرة بأهل الكفر؛ من ثم تساءلوا: هل نجعل المقام للجمل دون عم رمضان؛ ستكون تلك سابقة لم تشهدها بلادنا من قبل!
أحد الخبثاء تطوع قائلا:
ربما أسميناه مقام سيدي جمل؛ هل يسأل أحد من الناس صاحب المقام إنسان أم حيوان؛ على أية حال هو جمل مبارك يصوم الشهر المبارك بل يدخل في حالة وجد وصفاء أشبه بأهل الطريق.
نسيت أن أخبركم أن عم رمضان كان السقا الذي يروي عطش كفر المنسي أبوقتب!
لكن السوس ضرب ساقيته بعد أن سكنت الجرذان الكفر!
يضرب عم رمضان كفا بكف؛ يتساءل :أين تراه ذهب الجمل؟
في ساعة من الليل؛ يسمع حنينه ومن ثم يخور متأسفا!