الممثلة المصرية تحية كاريوكا ، دخلت عالم السياسة والنضال وانضمت لحركة السلام بعد انتصارات الإتحاد السوفيتي في ستالينجراد 1942 وبعدها بثلاث أشهر وجدت البوليس يكسر باب شقتها ليجدوا بعض المنشورات واقتادوها للسجن لآول مرة في حياتها لشهور عديدة . دافعت عن السجناء وطالبت بوقف التعذيب للنساء واليساريين وأقامت نشاطا لمحو الأمية في السجن . ثم إتخذت لها إسما حركيا بإسم ( عباس) . هاجمت نظام الضباط الأحرار وقالت : أن نظام عبد الناصر لايفرق عن أداء الملك فاروق ثم أطلقت قولتها الشهيرة عن الضباط الأحرار : (ذهب فاروق وجاء فواريق) . هاجمت الوفد الإسرائيلي في مهرجان كان السينمائي ووبخت الممثلة الشهيرة ( ريتا هيوارت ) حين إمتدحت إسرائيل وأسمعتها بلغة إنجليزية مقتدرة كلاما جارحا وشتما وسبابا مما إضطرت ريتا هيوارت الى الهروب من المحفل . ثم بعدها أسست جمعية برئاستها لمقاطعة الأفلام والنجوم ذوي الميول الصهيونية . وحين التقت بالشاعر اليساري الشيوعي( نجيب سرور) سألته عن اولاده وزوجته وعن حاله المعيشي وكتبت له عن قائمة بأسماء اليساريين المعدمين الفقراء ومن هم في السجون وأهدتهم المال الكثير وخصصت كل شهر هدية مالية لهم ولذلك لقبت ب ( أم اليسار ) . ويقول الكاتب المصري الشهير ( سليمان شفيق) كلما التقي بها كانت تحكي لي عن إنضمامها للشيوعية ويقول قبل زواجي أصطحبتني لمحل وأشترت لي بدلة العرس مع مظروف يحتوي على مئتي جنيه وفعلتها مع الكثيرين فيقول هذه هي أم اليسار . وحينما جاء المفكر اليساري(ادوار سعيد) الى مصر ليلقي محاضرته والتقى بها وبعد مغادرته لها قال لرفاقه ( هذه السيدة أعظم من الفنانة الكبيرة البريطانية ( ريدجريف ) . وذات يوم رأت الملك فاروق في كازينو الأوبرج وقالت له بسخرية عالية ( مكانك ليس هنا ياجلالة الملك بل على العرش في القصر ) وابتسم الملك بحرج وغادر المكان . ساعدت الفدائيين عام 1948 واستخدمت منزل أختها مريم لتخزين السلاح بنفسها وبسيارتها الخاصة . أيدت مظاهرات الطلبة في السبعينيات ودعمتهم ماديا . ويقول عنها الكاتب ( طارق الشناوي) من أنها ظلّت تمارس حياتها السياسية كيسارية حتى مماتها وهي الفنانة الوحيدة التي أضربت عن الطعام 1988 ولم يوقفها عن اضرابها سوى تدخل ( حسني مبارك ) الذي إتصل بها في مقر أعتصام الفنانين قائلا : (عايزة يقولوا ياست تحية انك عشت تاكلين في زمن فاروق وعبد الناصر والسادات وبعدين تموتي جوعانة في عهد مبارك ) . وقد ذهبت الى سوريا لمقابلة ( خالد بكداش) سكرتير الحزب الشيوعي السوري . وتنقل لنا إبنة أختها الفنانة المعروفة (رجاء الجداوي) كيف كانت خالتها في خضم خصومها مع السياسيين كيسارية صلبة عنيدة . أما رشدي أباضة الفنان الجميل لم يحب في حياته حبا حقيقيا سوى ( تحية كاريوكا) . لروحك السلام الأبدي فكنت إنسانة وفنانة ومناضلة ورفيقة حقيقية تستحقين بجدارة أن يطلق عليك ( أم اليسار المصري ) .
* شاعر وناقد عراقي.