في عالم معلق بين أبعاد متداخلة، حيث الزمان ينحني والفضاء يلتوي، عاشت الكونتيسة ضوء النجوم التي وُلدت من رحم الكون المتوهج، بعينين كونيتين ترى بهما الأصوات وتسمع الألوان. جمالها لم يكن مما يعرفه بشر، فقد كانت خليطًا سرياليًا من ضياء المجرات وبريق الأحلام… كان شعرها يلمع بألوان السماء عند الغسق، وكانت عيناها عميقتين كبئر يعكس نجومًا لا تُرى في سماء عادية.
في يوم منفي في أعماق غابة الزمرد، حيث الأشجار تنمو حتى تلامس السماء وتتحدث بلغة الرياح، كانت تسكن ضوء النجوم في بيت مصنوع من زجاج القمر وأنغام المطر. لم يكن هذا مجرد منزل، بل معبد للأحلام حيث تتجمع الخيالات المفقودة لتجد مأوى ورعاية.. كانت تلك الغابة تقع في وسط في جزيرة تطفو على بحر من الزجاج السائل، حيث الأمواج تتلألأ بألوان الطيف المفقودة، كان ذلك في في عالم حيث السحب مصنوعة من الحرير اللامع والأمطار تتساقط على شكل كريستالات مضيئة.
بيت الكونتيسة ضوء النجوم، المصنوع من زجاج الأحلام، كان يشع بأضواء قوس قزح التي لا تخمد أبدًا. كانت تربي في حديقتها أزهاراً تغني عند الفجر، وأشجاراً تنثر نجوماً صغيرة في الهواء كلما هبت الرياح
في تلك المملكة كان لديها القدرة على التقاط الأحلام من السماء كما يلتقط الناس الفراشات. ضوء النجوم لم تكن فتاة عادية؛ فقد ولدت من قطرة ندى وشعاع ضوء قمر، وأعطيت لها هبة تسمح لها برؤية الأحلام التي تعانق نجوم الليل.
في ذلك المساء استيقظت ضوء النجوم على صوت الموسيقى القادمة من بحيرة الأحلام الكريستالية. هذه البحيرة، المكونة من دموع الأقمار المنسية.. كانت ضوء النجوم تمتلك قدرة غير عادية على الرقص مع الأمواج والغيوم والنجوم. كل خطوة من رقصها تخلق عاصفة من الألوان البراقة، وكل دوران لها يطلق موسيقى تصدح في أرجاء المكان كأنها من أوتار السماء نفسها أو كأنها كوكب يدور حول نفسه…
في ليلة القمر الأزرق، حين كانت النجوم تنسج خيوطها الذهبية فوق الغابة، شعرت ضوء النجوم بنداء خفي يرن في أعماق روحها. كانت البحيرة تدعوها للمشاركة في احتفالية العالم الأسطوري، حيث تلتقي الكائنات السحرية من كل بُعد لتبادل الأسرار والحكم القديمة.
مع تقدمها نحو البحيرة، لاحظت ضوء النجوم ظهور ضيوف غير عاديين: مخلوقات ذات أجنحة شفافة تلمع بألوان الفجر، وعرافين قدموا من نجوم بعيدة، يحملون عصي مزخرفة تنبض بقوة الكواكب. كانوا جميعاً ينتظرون رقصتها، التي لها القدرة على فتح بوابات الزمان والمكان، وتحرير الأسرار المطوية بين الأبعاد.
بدأت ضوء النجوم رقصتها على أنغام لحن سحري يبدو كأنه محاك من نسيج الكون نفسه. كل حركة من حركاتها كانت تطلق شرارات من الضوء تضيء الغابة بأسرها، وكل دوران لها كان يرسم دوائر من النور تتوسع لتشمل الأرجاء. مع كل خطوة، كانت البحيرة تعكس لمعانها كمرآة ساحرة ترصد تاريخ الكون الغامض.
فجأة، وسط الرقص والموسيقى، ظهرت من البحيرة الكريستالية كرة من الضوء تحمل في طياتها حلماً قديماً كان مفقوداً. نزلت الكرة برفق في يدي ضوء النجوم، وفي تلك اللحظة، فهمت رسالة الكون الموجهة إليها: أن تحمي هذه الأحلام العريقة وتبث فيها الحياة من جديد.
استمرت الليلة في إظهار العجائب، وكلما تعمقت في رقصتها، كلما اكتشفت ضوء النجوم قدرات جديدة لديها. كانت تدرك الآن أن دورها لا يقتصر على مشاهدة الأحلام فحسب، بل وكذلك صناعتها وحمايتها، ليس لنفسها فقط بل لكل الكائنات في كل الأبعاد.
مع انبلاج فجر جديد، تلاشت الأصوات والألوان تدريجيًا، وعادت ضوء النجوم إلى منزلها، تحمل في قلبها الأمل وفي يديها حلماً من نور ينتظر أن يُزرع في تربة الواقع، لينبت يوماً وينير الدروب لأجيال لاحقة. وهكذا استمرت حياة ضوء النجوم، بين حماية الأحلام واستكشاف الألغاز الكونية، في عالم لا ينتهي من العجائب والسحر.