هذا الشاعر المسحور ببروق الآلهة
ينضح الشعر من رؤوس أنامله
ويسيل على أرصفة النيران
والأمطار.
يقول كلمته مزهواً كقدّيس
ويمضي في طريق الملكوت
ليكتشف أسرار الآلهة.
يتجلّى حب الوطن في ثنايا شعره
أشد سطوعاً من شلالات الضوء
المنهمرة من مرايا الشمس
بين صليل المنافي.
كلما تذكرت وطني
احدّق في السماء
فأراها محقونة بالدماء
فيغلي دمي كالبركان
ثم يتبخر ويتطاير شعاعاً
لينزل علي الوحي
فأقرأ باسم أمي التي كانت تتفتح مثل الورد
ولكن باغتها الموت
وهي تسير في جنازة ابنها الذي
لم يولد بعد.
أبحث بين أطلال بابل
عن صورة جدي المضاءة في ركام النسيان
الذي كانت قامته تطاول عنان السماء
وهو يتباهى بردائه المطرّز بنقوش التاريخ
ويتهادى في شارع الموكب
وكل فتيات آشور يرمقنه بحسرة.
لم تزل آثار قبلات المؤمنين الأتقياء
تتلألأ على الصلبان المهجورة
في تلك الكنائس التي نجّسها
ودكّها الناطقون باسم الله
وتناثرت أوراق النسيان
من ذاكرة ذلك النهر الحزين
وتوارت أسراب الطيور
خلف تخوم الليل.
تستحم العصافير عارية في نهر الجليد
ثم تستدفئ بلظى أشواقها
وتتدثر بألق النجوم
تغلق نافذة الريح
وتتقيل في أرجوحة الضوء.
ولدي…. فوق كتفي
يحلّق في فضاء المستقبل.
أحيقار الحكيم
هو أول إنسان على الأرض
بنى قصراً في السماء.
مجازر الشعب الآشوري
مكتوبة بمداد الدم
في ذاكرة الآلهة.
ترصّدت نكبات وفواجع شعبي
وأنا في رحم أمي.
الأزياء الآشورية
تحمل أريج تراب الرافدين.
كل من يموت على صليب جلجلة الوطن
لا بد سيبعث حيّا.
هذا الطفل المغمور بأنوار الغيب
اغتاله الذين انبثقوا من أرض الخرافة
مدججين بالأوهام النبوية.
مسكوناً بحنين العصافير المهجّرة
ألمح عن بعد… وطني الحبيب
صحارى من الرماد
تنعق فيه الغربان.
أنوء بأوزار حزني
منهوكاً ألمح قبر أبي من وراء السراب
تومض بين خرائب أهلي.
أمي…
أراها يحاصرها الموج في البيداء
فتغوص رويداً رويدا في الكثيب
فأغمض عينيّ
قبل أن تلتمع عيناها
لتضيء سماء العراق الغارق في الظلمات
وتنثر في أرضها غبار الطلع.
أمي…
يا امرأة تتسلل من كوة الروح
لتستحم في نهر النجوم
حينما أنظر في عينيك
أرى الله وجهاً لوجه
وأحلق في السموات العلى.
أمي….
كنتُ أبصرها وهي تمخر عباب الغمام
في يدها يتلألأ مصباح الحضارة
لتنير الطريق إلى الشمس.
تتوهج الحكمة البابلية في مرايا التاريخ
كالقصيدة النازفة من قلب الشاعر المتسكع
فوق أرصفة السموات.
عندما شدّ أهلي الرحال
حاملين في أكفهم نعوشهم
وأمنياتهم
رأيت رفوف الطيور تهاجر أعشاشها
تتبعها أسراب الملائكة
وهي تمسح دموعها بدخان الحرائق.
تركوا قراهم خلفهم
وارتحلوا في غياهب الظلمات
إلى حيث تتفتح الأبواب على مصاريعها
نحو سديم المتاهات
ليمضغوا قات الأزمنة
وينسلخوا عن ماضيهم الجميل
ويستمتعوا بالسير في دهالز التيه والضياع.
غداً… سيبعثون
ويعودون
وفي أيديهم أنجم ورايات خفّاقة
وأمنيات
يصعدوا إلى الجلجلة مهرولين
ليعبروا برزخ المنافي
إلى بيتهم العتيق
بيت إيل.
الدين الحق
هو الدين الذي تؤجج في قلوب أتباعه
مصابيح المحبة لكل البشر
كصهيل الأمطار.