تأنقوا بأفخر الملابس وانتعلوا أغلى الأحذية، تزيّنوا بأزكى العطور والإكسسوارات، هلّلت أساريرهم ببشائر الرّضى وارتسمت على شفاههم بسمات الغبطة.
وقفوا صفوفا في جانب من القاعة الفسيحة التي أعدت خصيصا لهذا الحدث الكبير، وقبالتهم جلس ذووهم مبتهجين منشرحين وأعينهم منصبّة على فلذات أكبادهم في حفل التخرج وتوزيع الشواهد وإلتقاط الصور التذكارية، وحده وقف منزويا في أقصى ركن من القاعة بلاحراك كصنم مصبوب، منغلقا على ذاته، علت قسمات وجهه كآبة قاتمة، وأطل من عينيه شجن عميق، منسلخ تماما عما يجري وغير مبال بما يحدث،رغم يقينه التام وقناعته الراسخة بنجاحه كالمعتاد إلا أن هذه المناسبات التي تبهج قلوب أترابه وتفرح نفوسهم، تعمق شعوره بالمرارة، وتشعره بالدونية، لذا تجعله يستعجل نهايتها بفارغ الصبر، ليتحرر من هيمنةضغطها وينعتق من تبعيتها ليقفل بالعودة لمقر إقامته، حيث يستشعر بهدوء الأمان، وصفو المساواة، ولشد ما يكره مثل هذه الأحداث التي تمر بثقل وطأتها فتقلق راحته وتحرج موقفه، حتى العطل المدرسية يمقتها لما يتبارى فيه الطلبة بالتباهي والتفاخر في سرد تفاصيل جلساتهم الحميمية مع أقربائهم، وتوصيف أماكن نزهاتهم ،ومواكبتهم لحفلات عوائلهم وجيرانهم، مغاير لما يقضيه في تلك الأوقات من مكابدة مريرة داخل جدران الميتم الباردة، رفقة مربيين وخدم لا تربطه بهم وشيجة قرابة أو صلة دم بل يقومون بأعباء الرعاية المنوطة بهم وفق ضمير مهني أو وازع إنساني بحت ،فحفل التخرج هذا بارقة أمل له بولوج عالم العمل، وخاتمة عهده لمرأى تلك الخانة لولي الأمر التي تذيل كل استمارة التسجيل المدرسي أو على شاكلتها من أوراق ثبوتية والتي يتم *تشطيبها من مسؤولي دار الرعاية لليتامى والمتخلّى عنهم.
—
•تشطيبها: وضع خط عليها