” الصمت موت، فإن سكت مت، وإن نطقت مت، فقلها ومت !”
-1-
كان متعبا ….
كان قلقا..
كان يائسا ..
كان ، وكان.. وكنت.
لكنه لما لم يجد سبيلا أخر يذهب إليه، أقفل عينيه ونام للأبد،
هكذا كان وحيدا، وكنت
– 2- كأني في الأحلام أو الكوابيس سيان، أدخل الغياب أو يدخلني، وحيدا كنت، وراء الغيوم التي تتسرب من أصابعي، كي ينفلت النهار وأبقي وحيدا، أجلس في مقعد مُوحش بين مُسافرين مُوحشين، أقفز في ذاكرة مُوحشة، بعد طول غياب أتًلمس ما أريد أن أقول،
أتذكر سلالم البيت العتيق، ومقبض باب بيتنا البعيد الذي هَرم ،
كان الكلام مُوحشاً، مُوحشاً ووحيدًا.
في الأحلام أو الكوابيس سيان، كنت وحيدًا.
وكان …
-3- وأنه هو أضحك وأبكي، وأنه هو أمات وأحي وأنه هو…..
يا أيها الولد الذي استكان عن رغبة الحب، وذهب لأقصي الحدود، بما لديه من معرفة بدائية، كيف كنت تقود مساحات عينيك الملونتين بلون الأرض، تنظر في الأفق المسدود وسماء الغيم في ظل ليل يتسع حتى أخر المدى، تراوح بين البكاء وبين الحنين \ الفرح الطفولي المُفتعل مع أصدقاء قدامي بلا معني من حواركم المُبهم عن علاقات قديمة كلها كانت جميلة ذاكرة استثنائية
– 4 – كنت تذهب وحيدا، مًستكينا في أخر الليل، تهزك ريح الشتاء، يلفحك الصقيع علي أم وجهك، يهزأ من تلك التجاعيد التي ارتسمت، تتكرمش، تستدفئ، في أي مكان غير جيوبك الخاوية من كل شيء، حتى من أي دفيء، أو ما يدل عليك، أو وجودك الميت ،
كذلك يا حبيبي سوف تراني !!
دوما تخوض غمار المتاح من الواقع، تتسرب الوحشة إلى إيقاع صمتك الرتيب، كإيقاع الأغاني المؤمنة، تسبح باسم عينيك وتقفلاهما عُنوة في الطريق والذئاب تعوي ، مع صوت الريح المتسع الذي يتسرب إلى وحشة أضلاعك الخاوية من الدفء. المستباحة أضلاعه على الدوام بلا أسباب تستطيع ذكرها ، هكذا سوف تبقى وحيدا.
-5- يتساقط المطر في الطريق والرزاز حين يبلل كوفياتك القديمة البالية، تلك التي لا تمنع تسرب الهواء أو المطر كي تعيد صياغة الذي مضى بذاكرة بليدة عن باقي التفاصيل الأخرى،
( أنا عربي ولون الشعر فحمي وميزاتي.. )
تصمت صمتا طويلا، تعاود المشي والبكاء في الطريق الموحش تجلس إلي جوار رجل موحش بين مسافرين موحشين تعتاد المطر والهطول وهبوب الريح ولسع البرد ينخر في العظام بلا ذاكرة حتى لو كانت بليدة تصطك الأسنان بلا توقف، كان كل شيء بارد جدا ومرتعشا، كان مهزوما وخاويا تتساقط العلامات التي حين رفعوا الملك إلي السلطة وعلا الحناجر كي تهتف بسقوط الملك وتعلن الفرح بطائرة الرئيس تسمع المذياع من بعيد، غير أنك قابع هناك في ظلال القمة والكافور في الجانب الأخر من نهر العمر الممل ونهر العسل في عيونها، من الجفون التي استطال رقداها بلا حركة واحدة للدفاع، مسلط العينين علي شيء مبهم وغريب تتحاور كلما سنحت لك الفرصة تتدافع عن لا وعي خالص. تبرأ ساحة نفسك من الهزيمة الأخيرة وتعلن الخلاص
سجل أنا عربي / في شوارع روما العتيقة ، عند باب بيتنا الذي هوى
سجلت كل شيء في ذاكرة بليدة، عفنة حين تداخلت الغيوم في الطريق، كان المطر يتساقط، بلهفة للمس التراب الحاني، الملهوف للًزوجة الطين،
كان المطر يمضي سريعا، كان التراب يحتضنه في منتصف المسافة، في فراغ وجودك مساحة مستطيلة، من عمر مضى. وأنت حين منعت تلك الذرات عن وصولها للتراب، التصقت بك، تعفرت جبهتك، أصابتك لعنة المطر اللعين كما لعنة الفراعنة، برد يتسرب إلي كل منطقة فيك، حتى انه بلل ما بين فخذيك كماء يسيل علي ضفتين
مشيت مبلولا من كل شيء، رغم انه كان يود الذهاب إلي منتصف منطقة مجهولة لم تدهسها قدم بعد ، تقول : إنه التراب يا حبيبي.