
العابر في صمته ديوان شعري للشاعر والباحث المغربي عبد الرحيم أبطي صدر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع بالأردن في طبعة أولى سنة 2023 وفي حوالي 97 صفحة ، يحاول أن ينصت فيه إلى ما يمكن أن تجسده اللغة من قوة حتى وإن غاب الكلام وحضر الصمت ليرخي بظلاله على القصيدة التي تقول كل شيء من خلال الصمت الذي يجسر لبلاغة اللغة في القول بجسر أكثر امتدادا في الشعرية التي ترسم أفقها ضمن أفق مغاير بعيدا عن شللية المنبرية ونمطية القول الذي يستمد من الأهواء التي تعشش بلاوعي الجماعة وتلغي تلك النداءات العميقة بالذات في فرديتها وتفردها في الآن نفسه .
قصيدة في البدء .. وفي المنتهى ينطق الشاعر بدون مواربة ودون أن يؤجل الحقيقية أو يخفيها خلف استعارة مخاتلة تنطلق أو إخفاء لتلك الأسرار .
في البدء
كان الصمت
النهر في عماه يشرشر
والطمي لازمة النشيد
ليس ثمة أسرار
من صلبه
انبجس الصوت
ودانت الهشاشات له بالكلام
يحاول الشاعر أن يوجد بدء لكل شيء في الشعر لأن الشعر هو ذاك العمق الذي يذهب بعيدا في الذات ليسترجع تلك الطفولة الإنسانية التي يتساوى فيها كل شيء الصمت والكلام عند حدود الهشاشة التي لا تصنع صيرورتها إلا في المؤجل الذي يعطي المعنى للعبور :
مؤجل كل قول
لك أو عليك ..
على الدوام
ما ينطقه الجسد
ما تهتفه
الكلمات المواربة في صمتها الأخير .
ولأن كل شيء في الشعر مشرع على القراءة التي تمنح الوجود لكل شيء من خلال هذا الفعل الإنساني الذي مهمته البحث عن دلالات متجددة في الكلمات ودفعها إلى أن تشكل كيان الشعر وهوية للقصيدة التي بها يتأسس المعنى عبر وضع الدهشة الطفولية منطلقا كما يحاول الشاعر هنا في قصيدة الطفل والكلمات :
من حرف لآخر:
تحبو الكلمات،
تململ السطور الكسلى
من رحم الصمت ..
دهشة تسير بهدوء وصمت لتجد لها أنساغا في كل ما حولها بالعبور من الذات إلى ما حولها بحثا عن تأسيس لسيرة ذاتية كما تتجلى في قصيدة مسودة أخيرة .. لما يشبة “سيرة ذاتية ” التي يقول فيها :
بكل صمتها تدين للأطراس ممهورة
بالكلمات.
بالكف..
نذورها محفوظات وبخور
وملء القلب
صلوات للبراري
وتراتيل خاشعات للعتبات.
عبور مستمر في اللغة لأنه الصيغة التي بها يؤسس الشاعر سفره الذي يربطه بالحلم ليبحث عن وصول بالقصيدة نحو عوالم الشعر :
هب ..
أني العابر، من سفر، أعزل الصمت
أشعت الحلم
وصول لا يتحق إلا بتشكيل لغة خاصة تترفع عن الابتذال ولا تقف إلا عند الجمال والبهاء بسيرة ناسك زاهد في كل البهرجة والصخب كما يقول في هذا المقطع من قصيدة عند الوادي المقدس :
أنت السالك العابر
ومض برق كنت
منك الصمت …
يلقف ما تأفكه اللغة النابحة ..!
عبد الرحيم أبطي سيرة موجزة:
————-
شاعر وباحث مغربي في الأدب والثقافة الجبلية شمال المغرب
حاصل على الدكتوراه في الأدب عن أطروحة أنجزها حول بنية اللغة الشعرية في القصيدة الثمانينية بالمغرب
يشتغل أستاذا للغة العربية بالسلك الثانوي التأهيلي بثانوية الإمام الشطيبي بغفساي مديرية تاونات
نشر العديد من الدراسات الأكاديمية والمقالات بمجلات محكمة عربية ومغربية وملاحق ثقافية لجرائد مغربية .
ساهم في تأليف مجموعة من الكتب المدرسية الخاصة باللغة العربية إلى جانب مؤلفين آخرين
له العديد من المشاركات في ملتقيات ثقافية .
له إسهامات في تأسيس بعض المبادرات الإعلامية .
صدر له :
العابر في صمته ، ديوان شعر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع بالأردن سنة 2023 .
الجبل وأساطيره دراسات في ” التراث اللامادي ” الجبلي ( بشمال المغرب ) عن دار النشر المغربية العربية للنشر والطباعة والتوزيع سنة 2024 .
—
* محمد العزوزي: شاعر وكاتب مغربي