
ترى كم خيبة تحتاجها كي تعيد عمر تلك اللهفة ؟ بدا المكان على اتساعه ضيقا على أحلامها، وتساءلت : هل تتخذ من ذاك المكان مقعدا لكتابتها؟
أم تتخذ من الزاوية المقابلة للنافذة مرآة لقلبها ، فمن هناك ستطل على الشارع ؛ وتسرح بخيالها كما تشاء، ومن يدري ؟! قد تعود إلى ظل كان يسبقها !
كل شيء بدا هادئا .. خلا ذاكرة ضجت باحتدام ورؤى كادت تفضحها، ستكتب :نعم ، و لكن هل تخط للحب؟ أم للحرب؟ أم تدون للشتات؟!
ستحاول أن تكتب بحرفية عاشقة عن الحب الذي أثثت له على الورق، هناك .. عند المنعطف حاول أن يتصيدها ، وعلى قارعة حرف ، كم من رسالة كتبت، وفي عجالة نسيت بعضا من حروفها ، إذ أنها في آخر رسالة كتبت له : مررنا من هنا، كانت الشوارع خالية إلا من وقع أقدام الحنين، و طرقات قلب كادت الشوارع تسمعه، المطر الزائر المفاجئ المحبب ! أنت تذكر ولا شك أننا تحت جنحه لذنا بجدار .. هناك .. عند الزاوية ؛ و بصمت تعاهدنا !
لا ،لا ستكتب بزخم أفكار كاتبة عن لصوص تكالبوا عليها، وستبين كيف عملوا على اختلاس الدفء من حضن وطن كان لها، ستكتب بحروف من نار تلهب قلوبا جمدّها الصقيع.
ّ لكن صراخ الهشيم ارتفع من الدواخل القصية للنفس .. إنها الآن تخط كلمات استوطنت القلب ؛ حتى أنها تمنت على ذلك الصباح ألا ينتهي !
على هذا راحت تخاطبه بكل جوارحها : تمهل أيها الصباح ؛ فما زالت الشمس في خدرها والأحلام ؛ بعد قليل سترسم بياض اليوم بابتسامتها العريضة ! أنا محض مفردة انتظري ! ومع ذلك سيصعب علي أن أركب موجات الشوق تأهبا للقائه ؛ فهل اجمع زاد محبتي وأسر متمتمة كما لو كنت أنتظر رجلا يتأبى على المجيء ! رباه .. ما زال المقعد شاغرا في انتظاره !
وها اللحظات تتمرد مجنونة ؛ تتطاول خلسة ؛ فيما أنا أعد الثواني فاغرة شفاه الوقت ؛ ساخرة من ترددي ومن خوفي !
هل كانت تخط رسالتها له ممهورة بحبر النبض ؟! لعلها كانت تتوسم شغف اللهفة إلى تقاسم فنجال من القهوة في مقهى يضحك بعنين الانتظار ؛ فيما سحب الدخان تلف فضاء المكان !
إنها لا تحب أن تلتقيه تحت المطر ؛ لتزيح غيوم السماء عن حروفها ؛ لقد نسيت أن تخبره بأن السواد أنشأ يعتري لياليها الملونة بالبياض ؛ ترى أهو الفقد ؟! ستتساءل ! أم هي الروح أضحت في دفتر الأموات ؟! وقبل أن تختتم رسالتها استدركت ما خطته بالقول : أنا التي تركت يوما ياسمينة بيضاء على المقعد ! لا تغرق نفسك في لجة التفكير ؛ فأبواب القلب لما توصد بعد ! أأسألك ألا تتأخر ؟! فصوتك الرخيم يهدىء لواعج القلب ؛ أم أسالك : ترى كم غربة نحتاج حتى نلتقي ؟! وكم جغرافية في مكرها نجتاز كي نكون معا ؟!
كلمة أخيرة :
ألا رحمة بقلب أنهكته المسافات !
وبخطى وئيدة راحت تذرع المكان ! هل انشغل القلب بهواجسه والأحلام ؟! طويلا انتظرت كلمة تعيد إلى النفس توازنا افتقدته ؛ هي المعلقة بشقي حرف وكلمة ؛ إلا أن الرد – على عادته – جاء متأخرأ ؛ ذلك أنها كانت قد سقطت مغشيا عليها !