
(*)
رواية (مخطوطة فيصل الثالث ملك الكوابيس السعيدة)/ منشورات نابو/ ط1/ 2024/ بغداد. موضوعتها تشتغل على ثنائية الشرق والغرب، مما يجعل هذه الرواية، ضمن الفهرس الروائي التالي : (عصفور من الشرق) توفيق الحكيم.. (أحلام يولاند) فؤاد الشايب.. (الحي اللاتيني) سهيل إدريس..(موسم الهجرة إلى الشمال) الطيب صالح.. (الأشجار واغتيال مرزوق) عبد الرحمن منيف. في هذا الروايات يكون العربي في الغرب ويكتشف الغرب أنثويا فقط. لكن الروائي العراقي كاظم الأحمدي في روايته (أمس كان غداً)، تناول الفترة البريطانية، من خلال عائلة بريطانية، حلت في البصرة، وحاولت السيدة البريطانية تدوير سرد الصبي البصري عقيل إلى (أوتلو) عطيل بطل مسرحية لشكسبير، من خلال رسم صورته، أراد تدوير سرد هويته لكنها ستفشل في النهاية.
(*)
في رواية محمد غازي الأخرس (فيصل الثالث) تدخل العلاقة بين الشرق والغرب مدخلاً مخزياً، مقززاً.. أن الفرس (حورية) التي يرجع نسبها إلى فرس زرادشت. يعتدي عليها الضابط الإيرلندي آدمز لارسن، وتلد منه مسخاً سيطلق عليه اسم (هوش الله) ويمكن أن تأويل هذه الشائنة ، علاقة زنى بين المقدس والمدنس. وآدمز هو الدنس الذي(أرتكب جريرة تأسيسية ترتبت عليها الأحداث المفصلية في هذا العمل../16).. وهنا جوهر الاختلاف الروائي المتفرد الذي حازته رواية محمد غازي الأخرس.
(*)
البصرة في تلك اللحظة، بداية القرن العشرين: مستباحة ،ثنكة مكتظة بالعولمة، وبصخب الحياة وتقاطع خطى المتسارعين والمتصارعين لإنجاز أعمالهم، من شتى الأجناس، عرب وإيرانيون، بصريون وهنود، أوربيون يتهادون حاملين حقائبهم ويشيرون للحوذيّة المتراكضين هنا وهناك.. في هكذا لحظة عسكرية تجارية متأهبة
هذا الكائن جاء(هوش الله) إلى الدنيا وحده (وقبل أن يبادر حجي غنداوي بقص حبل السرّة بسكين صغيرة بادر الكائن العجيب بنفسه إلى قطع الحبل بأسنانه..) والغرابة الأولى هو أن هذا الكائن أختلط تنفسه بقهقهته، هوش الله بعد ساعتين من ولادته سار مستقيما كالبشر. وهو يسمع ويبكي ويحس مثل أي طفل بشري.. ولادة هذا المسخ كان بتوقيت وصول سفينة البريد (درواكا) إلى رصيف ميناء البصرة وفي ذلك إيماءة سياسية ويتأكد الأمر حين تقوى العلاقة بين الجنرال تشارلز تاوزند الفاتح الهابط من السفينة والمسخ هوش الله. والمؤلف يؤكد ذلك (..مصادفة لا تخلو منها روايات كهذه، فقد ترافقت ولادة الكائن الغريب مع وصول تاوزند إلى البصرة../13) وكلام المؤلف هنا فائض ولا يحتاجه القارئ، وهذا المولود لا يُعتبر عراقيا بشهادة الشيخ شمران وهو يخاطب الجنرال تاوزند (عفواً يا صاحب، الكائن الذي ستراه هو مولودكم المشوّه وعليكم أن تأخذوه بعد فطامه../14) سؤالي هنا أليس استعمار بريطانيا للعراق يجسدها هذا الكائن المسخ؟ تسميته هوش الله تليق به، لكن الجنرال له نظرة مستشرق سيطلق على المسخ( شيدوا لا ماسو) وتسمية الجنرال تشير إلى الثور المجنّح الذي أكتشفه السير أوستن هنري لايارد في نينوى منتصف القرن التاسع عشر ونقله إلى لندن ويكون رد الشيخ شمران عنيفا (يشبهه أو لا يشبهه، إنه أبنكم وأنتم أدرى به، لكنه بالنسبة إلينا هوش الله كما أسماه غنداوي../ 15).. لحظتها يكون رد هوش الله مباغتا، يمد يده المشعرة ويخاطب تاوزند بلغة ٍ إنكليزية ٍ طلقة مرِحبا بالجنرال.. وحين يلتفت الجنرال ويخاطب الشيخ بحنو أن يسميه(شيدو) يرد عليه الشيخ( ليس ابني لأسميّه، هو اسمه الأن هوش الله بأرض الله) أصرار وكبرياء شخصية كريمة المحتد يجسدها الشيخ شمران في موقفه هذا، من الكائن المسخ.. ثم يخبرنا المؤلف وهو يعود إلى السنة السابقة لولادة هوش الله وتحديداً منتصف 1914 يظهر آدمز لارسن بقناع ليؤسس وكالة صحيفة صغيرة تنقل أخبار البصرة وعبدان إلى لندن، تحت قناع آدامز وجه آدم المكلف بقيادة شبكة الجواسيس المبثوثة قبل وصوله.. بعد مبيته في مضافة الضيوف، ينتقل آدمز بمبادرة من جرجس بك إلى بيت منعزل بجوار إسطبلات الخيل داخل البستان، وهنا ستقع الكارثة، سيعود آدمز إلى ولعه بالخيول، خصوصا وهذا الاسطبل موسوعة عالمية لكافة أنواع الخيول في العالم، وحين يقوده المتخصص بالتهجين إلى إسطبل صغير خاص يكون هذا المتخصص قد مكنه عما سيفعله لا حقا، فهنا حورية الفرس البيضاء ذات الغرة الذهبية، آية في الرشاقة، عيناها كأنهما عينا غزال. والفرس حورية تعود للشيخ شمران عرب، وجودها في إسطبلات جرجس بك في تلك الليلة كانت للتزاوج مع حصان إنكليزي… إذا ً المتسبب بمقتل حورية كزانية وعلى رؤوس الأشهاد هو المجرم الزاني آدمز.. حورية سماوية الأرض إذا جاز القول عنها، فهي من سلالة نادرة الوجود تنتسب إلى حصان زرادشت (الحصان الإلهي الذي أرتقى به زرادشت السماء، ذلك الحصان العجيب كان يطير في السماء، لكن حين عاد بزرادشت إلى الأرض، كتب الله عليه أن يتحول إلى حصان أرضي، فبدأت أجنحة نسله تصغر بمرور الأجيال حتى زالت تماما، وبقيت هذه الحزوز أعلى الظهر كقرينة على منحدره الإلهي../ 24)
(*)
في هذه الرواية، يتمازجان التاريخ والمخيلة، والسنوات مثبّتة في ثنايا السرد، مع الصفحة الأولى، نكون في البصرة 14 حزيران 1915(أن فتى صغيراً أقرب للمعتوه عثر على سلّة مصنوعة من الخوص، يرقد فيها جنين قد يكون ابن خطيئة../ 9) وفي ص242 يخبرنا السارد( في يوم تموزي ساخن من عام 1902، عثر أحد الفتيان فجراً على جنين ملفوف بخرقة ومتروك في سلة صغيرة.. عند ضفة نهر الدوغة وهو أحد فروع شطّ العرب) في ص16، تبرر الرواية ذلك في قولها(ليس هناك قانون سردي يحدد زمن حضور الشخصيات أو كيفيته.) والسبب (يرتبط الأمر بالبناء السردي الذي يضعه المؤلف).. سؤالي النقدي: هل يحق للمؤلف يمارس استبداداً تقنيا يتسبب بالتشويش على فاعلية القراءة، لدى القارئ النوعي؟ أن عناصر التشويق متوفرة في هذه الرواية التي بذل المؤلف فيها جهداً كبيراً في نسيجها، لكن في الوقت، وبعد قراءتي الثانية أن عنصرين يتشابكان في سيرورة الرواية وهما : التشويق والتشويش، فالتراكم الكمي للمعلومات والشخوص والمخطوطات الأحدى عشرة، هذا الكم يجعل الرواية مثقلة الخطوات فهي مكتظة بالأحداث وازدحام الشخوص الذين ينسجون سردهم، منهم الشخوص الرئيسة مثل (هوش الله) و(مس بيل) ملك العراق الأول فيصل.. والشخوص الثانوية لكل منهم سرديته ..الأحداث تنتقل من البصرة إلى كوت العمارة إلى كركوك ،1953 ثم تقفز مع الشخوص إلى 1979.. في بغداد قطاع (58) مدينة الثورة ..
(*)
العنوان الجمالي للرواية يكتنز صدمة ًتسموية ً (.. فيصل الثالث)!! والعالم كله يعرف لا يوجد فيصل ثالت. بالنسبة لي، ليس عليّ تفكيك شفرة (فيصل الثالث) فالقارئ ستتفكك أمامه الشفرة أثناء رحلته في الرواية. أما العنوان التفسيري(ملك الكوابيس السعيدة) فهو يحتوي تضاداً لغوياً، بوظيفة تمهيدية للقارئ، أن هذه الرواية معنية بأوجاع العراق من بداية القرن العشرين وصولاً إلى أواخر السبعينات.