
كتبت الشاعرة المغربية ثورية الكور:
نحن العيد ….!
_
على الأبواب ،
نكشط ألسنتنا
نحمل عوزنا مكدسا في حقائب ،
نخرج للركض تحت الشمس
للسباق على الأماكن ،
للبكاء …والفرح …
الغضب …والخوف
نرفع أكفنا إلى الله ،
ونتصاعد كدخان المخابز
كل شيء سيمضي
إنها الحياة ،
لقد مر عام على آخر احتراق ،
وقت طويل ..
على شكوى أحدهم
في الشارع وهو يقطع الطريق ،
يصرخ يتشاجر على لا شيء .
أما أنا ….
فأفكر كيف سأصل ؟؟
كيف ستحملني قدماي للركض ؟
ولم أجهز بعد !
أتوقف في المنتصف المميت ؟
أجلس في الصف الأخير
أصفق بيد واحدة ،
وأضحك على الصفوف
التي مازالت تركض دون اكترات ،
لتنال حصتها من الموت .
على حافة الرصيف
رجل حزين ،
يلتهمه الفقر كطريدة ،
يخبئ أيادي المتسولين
في جيوبه الفارغة ،
يدخن الهزيمة بإفراط
امام الوقت في حدائق النهار .
كل الطرق معطلة في قلب الوطن
على باب الحياة
بزماننا الجريح ، نمشط حالاتنا
نبتسم……. ونقول :
ها نحن نمشي بلا رؤوس بلا أياد
نشق صدرونا عراة ،
نحن الذين أكلت جيوبنا أصابعنا
نسأل عن يوم العيد ؟؟
لنعد تأشيرات النزوح نحو الفرح ،
نحتفل معا في مجالس الحنين ،
نتخيل شبح الحب ،
ونلعق أصابعنا المنقوعة
في ملح الجراح .
#الرقص_على_الجراح_المكشوفة
●رؤية -محمد جمال ريحاوي
“مرايا الاحتراق والفرح الموءود:
المقدمة:
أستاذة #ثورية_الكور، بين طيات نصك الشعري نحن العيد تتراقص الكلمات على إيقاع الألم والفرح، حيث يمتزج البوح العميق بالجرح المكشوف، ويتجلى الحرف بمرآة تعكس هشاشة الإنسان وقوة الإرادة في آنٍ واحد. نصكِ نصٌ متوترٌ، مشحونٌ بطاقةٍ وجدانيةٍ عالية، يعبر بين ظلال الواقعية القاسية وألوان السريالية الحالمة، ليحاكي تذبذب النفس البشرية بين الاحتراق والانبعاث.
●البنية الفنية والجمالية:
1. العنوان ودلالاته:
عنوان النص نحن العيد يشي بمفارقة لافتة. العيدُ عادةً قرينُ الفرح والاحتفال، لكن هنا يُقدَّم العيد ككائن جماعي “نحن”، ما يضفي بُعدًا إنسانيًا يلامس مشاعر الجماعة، ويوحي بأن الفرح ليس حدثًا خارجيًا بقدر ما هو حالة نشتاق إليها ونصنعها رغم الأوجاع. العيد هنا ليس مناسبةً بل هو تجربة إنسانية تتطلب اجتياز اختبارات الحياة والاحتراق اليومي.
2. الصورة الشعرية والأسلوب:
يتضح في النص اعتمادكِ على الصور الحية والمركبة، حيث تُنسج الصور بذكاء بين المشاهد الحسية والرمزية:
“نكشط ألسنتنا”: صورة بصرية حسية تجسد محاولة التخلص من ثقل الكلام غير المُقال أو المرّ، كأنّ اللسان هنا يحمل أوزار الصمت.
“نخرج للركض تحت الشمس”: الانتقال من الداخل (حالة نفسية) إلى الخارج (فعل حركي)، يضفي ديناميكية على المشهد الشعري، حيث يتحول الألم الداخلي إلى حركة فيزيائية ملموسة.
“نتصاعد كدخان المخابز”: استعارة بديعة تربط بين التصاعد الروحي (الدعاء) وبين التصاعد المادي (دخان المخابز)، حيث يُصبح الإنسان خبزًا ينضج وسط نيران الحياة.
3. الإيقاع والموسيقى الداخلية:
رغم غياب الوزن الشعري التقليدي، يعكس النص إيقاعًا داخليًا ينبع من التكرار والتوازي والتضاد:
التكرار في “للركض… للبكاء… للفرح…” يخلق إيقاعًا متدفقًا يشبه حالة الركض الحقيقي، ويمنح النص نفسًا سرديًا يتماهى مع الحياة اليومية للشخصيات.
الموسيقى الداخلية تنبع أيضًا من الجرس الصوتي لبعض الكلمات مثل “الهزيمة بإفراط”، حيث يتردد الصدى الثقيل للـ”هزيمة” مع امتداد “إفراط”، مما يعمق الشعور بالوجع.
4. الرمز والدلالات العميقة:
“رجل حزين، يلتهمه الفقر كطريدة”: هنا تتحول العلاقة بين الإنسان والفقر إلى علاقة افتراس، مما يعزز البعد الوجودي للنص، ويستدعي ظلال الفلسفة الوجودية، حيث الإنسان يُلقى في عالمٍ مفترس وعليه الصمود.
“ندخن الهزيمة بإفراط”: التدخين هنا ليس عادةً بقدر ما هو طقس، وكأن الهزيمة تُستهلك حتى النخاع، في مشهد يمزج بين العبثية والواقعية النقدية.
●التناول النقدي من منظور المدارس النقدية:
أ. المدرسة الواقعية:
يتجلى الحس الواقعي بوضوح في النص من خلال التصوير الدقيق للحياة اليومية والمعاناة المجتمعية. فالشاعرة تُبرز الواقع الاجتماعي بكل تفاصيله البائسة دون تزييف أو مواربة، كحال الرجل الفقير على حافة الرصيف، وما يعيشه المجتمع من ضياع واغتراب.
ب. المدرسة الرمزية:
يميل النص إلى الرمزية في مواضع عدة، حيث تتحول الأشياء البسيطة إلى رموز كبيرة. الرصيف ليس مجرد مكان، بل هو حدٌ فاصلٌ بين الحياة واللاحياة. الرجل الحزين يُصبح أيقونةً للفقر المزمن الذي يلتهم الأرواح.
ج. المدرسة السريالية:
النص يأخذ أحيانًا منحى سرياليًا، خاصة في تصوير حالة الإنسان الذي “يمشي بلا رؤوس بلا أياد”. هذا الانزلاق نحو العوالم السريالية يفتح باب التأويل على مصراعيه، ويجعل النص أشبه بحلم أو كابوس جماعي.
المحسنات البديعية والبلاغية:
– الجناس في “نمشي بلا رؤوس بلا أياد” يُضفي انسجامًا صوتيًا، ويعزز الإيقاع الداخلي للنص.
– التضاد بين “البكاء… والفرح”، “الغضب… والخوف” يُعبر عن التناقضات النفسية التي يعيشها الفرد في مجتمعه.
– الاستعارات الذكية مثل “نصفق بيد واحدة”، حيث يتجلى العجز التام عن التعبير أو الاحتفال الحقيقي.
●الخاتمة:
ثورية الكور ، لقد نجحتِ في نصكِ الشعري نحن العيد في صنع بانوراما شعرية تتنقل بين شوارع الوجع وحدائق الأمل. نصكِ يُحاكي الواقع ويستشرف الحلم، ويجمع بين العفوية الشعرية والحرفية الفنية. إنه نصٌ يتراقص على الجراح المكشوفة بوعيٍ عميقٍ وبصيرةٍ نافذة، فيترك القارئ متأملًا، متسائلًا، وربما… راكضًا نحو ضوءٍ بعيدٍ يشبه العيد.